responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري    الجزء : 1  صفحة : 37

و أما الصناعات فكانوا أبعد الأمم عنها، و معظم الصناعات التي كانت توجد في العرب من الحياكة و الدباغة و غيرها كانت في أهل اليمن و الحيرة، و مشارف الشام، نعم كانت في داخل الجزيرة الزراعة، و الحرث، و اقتناء الأنعام، و كانت نساء العرب كافة يشتغلن بالغزل، لكن كانت الأمتعة عرضة للحروب، و كان الفقر و الجوع و العرى عاما في المجتمع.

الأخلاق‌

لا ننكر أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا و رذائل و أمور ينكرها العقل السليم، و يأباها الوجدان، و لكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة ما يروع الإنسان، و يفضي به إلى الدهشة و العجب، فمن تلك الأخلاق:

1- الكرم‌

، و كانوا يتبارون في ذلك و يفتخرون به، و قد استنفدوا فيه نصف أشعارهم، بين ممتدح به و مثن على غيره، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد و الجوع، و ليس عنده من المال إلا ناقته التي هي حياته و حياة أسرته، فتأخذه هزة الكرم، فيقوم إليها، و يذبحها لضيفه، و من آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائلة و الحمالات المدهشة، يكفون بذلك سفك الدماء، و ضياع الإنسان، و يمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء و السادات.

و كان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يتمدحون بشرب الخمور، لا لأنها مفخرة في ذاتها، بل لأنها سبيل من سبل الكرم، و مما يسهل السرف على النفس، و لأجل ذلك كانوا يسمون شجر العنب بالكرم، و خمره ببنت الكرم. و إذا نظرت إلى دواوين أشعار الجاهلية تجد ذلك بابا من أبواب المديح و الفخر، يقول عنترة بن شدّاد العبسي في معلقته:

و لقد شربت من المدامة بعد ما* * * ركد الهواجر بالمشوف المعلم‌

بزجاجة صفراء ذات أسرة* * * فرنت بأزهر بالشمال مفدم‌

فإذا شربت فإنني مستهلك‌* * * مالي، و عرضي وافر لم يكلم‌

و إذا صحوت فما أقصر عن ندى‌* * * و كما علمت شمائلي و تكرمي‌

و من نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر، فإنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه، أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين، و لذلك ترى‌

اسم الکتاب : الرحيق المختوم المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري    الجزء : 1  صفحة : 37
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست