لبقية الجيش طريقا إلى هذا المقام المأمون، فتلاحق به في الجبل، و فشلت عبقرية خالد أمام عبقرية رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم).
مقتل أبيّ بن خلف
قال ابن إسحاق: فلما أسند رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في الشعب أدركه أبي بن خلف و هو يقول: أين محمد لا نجوت إن نجا؟. فقال القوم: يا رسول اللّه أ يعطف عليه رجل منا؟
فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم): دعوه. فلما دنا منه تناول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله، و أبصر ترقوته من فرجة بين سابغة الدرع و البيضة، فطعنه فيها طعنة تدأدأ- تدحرج- منها عن فرسه مرارا، فلما رجع إلى قريش و قد خدشه في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم قال: قتلني و اللّه محمد. قالوا له: ذهب و اللّه فؤادك، و اللّه إن بك من بأس، قال: إنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك [1] فو اللّه لو بصق عليّ لقتلني، فمات عدو اللّه بسرف، و هم قافلون به إلى مكة [2]، و في رواية أبي الأسود عن عروة: أنه كان يخور خوار الثور و يقول: و الذي نفسي بيده لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا جميعا [3].
طلحة ينهض بالنبيّ (صلّى اللّه عليه و سلم)
و في أثناء انسحاب رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى الجبل عرضت له صخرة من الجبل، فنهض إليها ليعلوها، فلم يستطع، لأنه كان قد بدّن و ظاهر بيت الدرعين، و قد أصابه جرح شديد.
فجلس تحته طلحة بن عبيد اللّه، فنهض به حتى استوى عليها و قال: أوجب طلحة [4]، أي الجنة.
آخر هجوم قام به المشركون
و لما تمكن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) من مقر قيادته في الشعب، قام المشركون بآخر هجوم حاولوا به النيل من المسلمين. قال ابن إسحاق: بينا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في الشعب إذ علت
[1] و ذلك أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) لما كان بمكة كان يلقاه أبي هذا، فيقول: يا محمد إن عندي العود فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة، أقتلك عليه، فيقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، بل أنا أقتلك إن شاء اللّه.