كما كان عدد المشركين يتضاعف كل آن، و بالطبع فقد اشتدت حملاتهم، و زاد ضغطهم على المسلمين، حتى سقط رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في حفرة من الحفر التي كان أبو عامر الفاسق يكيد بها، فجحشت ركبته، و أخذ علي بيده، و احتضنه طلحة بن عبيد اللّه حتى استوى قائما، و قال نافع بن جبير: سمعت رجلا من المهاجرين يقول: شهدت أحدا، فنظرت إلى النبل يأتي من كل ناحية رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) وسطها، كل ذلك يصرف عنه، و لقد رأيت عبد اللّه بن شهاب الزهري يقول يومئذ: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجا، و رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) إلى جنبه، ما معه أحد، ثم جاوزه، فعاتبه في ذلك صفوان، فقال: و اللّه ما رأيته، أحلف باللّه أنه منا ممنوع. فخرجنا أربعة. فتعاهدنا و تعاقدنا على قتله، فلم نخلص إلى ذلك [1].
البطولات النادرة
و قام المسلمون ببطولات نادرة و تضحيات رائعة، لم يعرف لها التاريخ نظيرا. كان أبو طلحة يسور نفسه بين يدي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و يرفع صدره ليقيه عن سهام العدو. قال أنس: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)، و أبو طلحة بين يديه مجوب عليه بحجفة له، و كان رجلا راميا شديد النزع، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا، و كان الرجل يمر معه بجعبة من النبل، فيقول: أنثرها لأبي طلحة. قال: و يشرف النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: بأبي أنت و أمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك [2].
و عنه أيضا قال: كان أبو طلحة يتترس مع النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) بترس واحد، و كان أبو طلحة حسن الرمي، فكان إذا رمى تشرف النبي (صلّى اللّه عليه و سلم)، فينظر إلى موقع نبله [3].
و قام أبو دجانة أمام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، فترس عليه بظهره، و النبل يقع عليه و هو لا يتحرك.
و تبع حاطب بن أبي بلتعة عتبة بن أبي وقاص- الذي كسر الرباعية الشريفة- فضربه بالسيف حتى طرح رأسه، ثم أخذ فرسه، و سيفه. و كان سعد بن أبي وقاص شديد الحرص على قتل أخيه- عتبة هذا- إلا أنه لم يظفر به، بل ظفر به حاطب.