هداكم اللّه للإسلام و أكرمكم به، و قطع به عنكم أمر الجاهلية، و استنقذكم به من الكفر، و ألف بين قلوبكم؟».
فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان، و كيد من عدوهم، فبكوا، و عانق الرجال من الأوس و الخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) سامعين مطيعين قد أطفأ اللّه عنهم كيد عدو اللّه شاس بن قيس [1].
هذا نموذج مما كان اليهود يفعلونه و يحاولونه من إثارة القلاقل و التحريشات في المسلمين، و إقامة العراقيل في سبيل الدعوة الإسلامية. و قد كان لهم خطط شتى في هذا السبيل، كانوا يبثون الدعايات الكاذبة، و يؤمنون وجه النهار، ثم يكفرون آخره، ليزرعوا بذور الشكوك في قلوب الضعفاء، و كانوا يضيقون سبل المعيشة على من آمن إن كان لهم به ارتباط مالي، فإن كان لهم عليه يتقاضونه صباح مساء، و إن كان له عليهم يأكلونه بالباطل، و يمتنعون عن أدائه، و كانوا يقولون: إنما كان علينا قرضك حينما كنت على دين آبائك، فأما إذ صبوت فليس لك علينا من سبيل [2].
كانوا يفعلون كل ذلك قبل بدر، على رغم المعاهدة التي عقدوها مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم)، و كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و أصحابه يصبرون على كل ذلك، حرصا على رشدهم، و على بسط الأمن و السلام في المنطقة.
بنو قينقاع ينقضون العهد
لكنهم لما رأوا أن اللّه قد نصر المؤمنين نصرا مؤزرا في ميدان بدر، و أنهم قد صارت لهم عزة و شوكة و هيبة في قلوب الأقاصي و الأداني، تميزت قدر غيظهم و كاشفوا بالشر و العداوة، و جاهروا بالبغي و الأذى.
و كان أعظمهم حقدا و أكبرهم شرا كعب بن الأشرف- و سيأتي ذكره- كما أن أشر طائفة من طوائفهم الثلاث هم يهود بني قينقاع، كانوا يسكنون داخل المدينة- في حي باسمهم- و كانوا صاغة و حدادين و صناع الظروف و الأواني، و لأجل هذه الحرف كانت قد توفرت لكل رجل منهم آلات الحروب، و كان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة، و كانوا أشجع يهود المدينة، و كانوا أول من نكث العهد و الميثاق من اليهود.