قال المدائنى بإسناده عن إياس بن المهلب: سار الأحنف من مروالروز إلى بلخ، فحاصرهم، فصالحه أهلها على أربعمائة ألف، فرضى بذلك منهم، و استعمل ابن عمه أسيد بن المتشمس على أخذها منهم، و مضى إلى خوارزم، فأقام حتى هجم عليه الشتاء، فقال لأصحابه: ما ترون؟ فقال له حصين: قد قال عمرو بن معدى كرب:
إذا لم تستطع شيئا فدعه* * * و جاوزه إلى ما تستطيع
فأمر الأحنف بالرحيل، ثم انصرف إلى بلخ، و قد قبض ابن عمه ما صالحهم عليه، و وافق مهرجانهم و هو يجيبهم، فأهدوا إليه هدايا من آنية الذهب و الفضة و دنانير و دراهم و متاع و دواب، فقال أسيد: هذا لم نصالحكم عليه، قالوا: لا، و لكن هذا شيء نصنعه فى هذا اليوم لمن ولينا، نستعطفه به، قال: ما أدرى ما هذا؟ و إنى لأكره أن أرده، و لعله من حقى، و لكنى أقبضه و أعزله حتى أنظر، و قدم الأحنف، فأخبره، فسألهم عنه، فقالوا مثل ما قالوا له، فقال الأحنف: آتى به الأمير، فحمله إلى ابن عامر و أخبره عنه، فقال:
اقبضه يا أبجر، فهو لك، قال: لا حاجة لى فيه، فقال ابن عامر: ضمه إليك يا مسمار، قال: فضمه القرشى، و كان مضما.
و ذكر المدائنى بإسناد آخر: أن ابن عامر حين صالح أهل مرو، و صالح الأحنف أهل بلخ بعث خليد بن عبد الله الحنفى إلى هراة و إلى باذغيس، فافتتحهما، ثم كفر العدو بعد ذلك فكان مع قارن.
و قال: و لما رجع الأحنف قال الناس لابن عامر: ما فتح على أحد ما فتح عليك، فارس، و كرمان، و سجستان، و عامة خراسان، فقال: لا جرم، لأجعلن شكرى لله على ذلك أن أخرج معتمرا من موقفى، فأحرم بعمرة من نيسابور، فلما قدم على عثمان، رضى الله عنه، لامه على إحرامه من خراسان، و قال له: ليتك تضبط الميقات الذي يحرم