اسم الکتاب : الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله(ص) و الثلاثة الخلفاء المؤلف : أبو الربيع الحميري الكلاعي الجزء : 2 صفحة : 536
و كتب عمر إلى عتبة و أهل البصرة بمثل ذلك، و عهد عمر إلى الوفد، و تقدم إلى الناس ألا يرفعوا بنيانا فوق القدر، قالوا: و ما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف، و لا يخرجكم من القصد.
فأول شيء خط بالكوفة، و بنى حين عزموا على البناء المسجد، فاختط ثم قام رجل شديد النزع، فرمى عن يمينه و من بين يديه و من خلفه و عن شماله، و أمر من شاء أن يا بنى وراء مواقع تلك السهام، و بنوا لسعد دارا بحياله، بينهما الطريق، و جعل فيها بيوت الأموال، و هى قصر الكوفة اليوم، و بنى سعد فى الذي خطوا للقصر قصرا بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم، و جعل فيه بيت المال، و سكن ناحيته، ثم إن بيت المال نقب عليه منه، فأخذ منه المال.
و كتب سعد بذلك إلى عمر، و وصف له موضع الدار و بيوت المال من الصحن، فكتب إليه عمر: أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جانب الدار، و اجعل الدار قبالته، فإن للمسجد أهلا بالنهار و بالليل، و فيهم حصن لمالهم، فنقل المسجد و أراع بنيانه، فقال له دهقان من أهل همذان، يقال له روزبه بن بزرجمهر: أنا أبنيه لك، و أبنى لك قصرا و أصلهما، و يكون بنيانا واحدا، فخط قصر الكوفة على ما خط عليه، ثم أنشأه من بعض آجر قصر كان للأكاسرة فى ضواحى الحيرة على مساحته اليوم، و وضع المسجد بحيال بيوت الأموال، و كان بنيانه على أساطين من رخام، كانت لكنائس لكسرى بغير مجنبات، فلم يزل على ذلك حتى بنى زمن معاوية بنيانه اليوم على يدى زياد.
و لما أراد زياد بناءه دعا بنائين من بنائى الجاهلية، فوصف لهم موضع المسجد و قدره و ما يزيد من طوله فى السماء، و قال: أشتهى من ذلك شيئا لا أقع على صفته، فقال له بناء قد كان بنى لكسرى: لا يجىء هذا إلا بأساطين من جبال الأهواز، تنقر ثم تثقب، و تحشى بالرصاص و بسفافيد الحديد، فترفعه ثلاثين ذراعا فى السماء ثم تسقفه، ثم تجعل له مجنبات و مواخر، فيكون أثبت له، فقال: هذه الصفة التي كانت نفسى تنازعنى إليها و لم تعبرها.
قال عطاء مولى إسحاق بن طلحة: كنت أجلس فى المسجد الأعظم من قبل أن يبنيه زياد، و ليست له مجنبات و لا مواخر، فأرى منه دير هند و باب الجسر.
و ذكر الطبرى [1] عن المدائنى أن عمر بن الخطاب وجه عتبة بن غزوان إلى البصرة