اسم الکتاب : الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله(ص) و الثلاثة الخلفاء المؤلف : أبو الربيع الحميري الكلاعي الجزء : 2 صفحة : 427
و ذكر الخطيب أبو بكر بن ثابت البغدادى فى تاريخه [1] أن بغداد كانت فى أيام مملكة العجم قرية يجتمع فيها رأس كل سنة التجار، و يقوم بها للفرس سوق عظيمة، فلما توجه المسلمون إلى العراق و فتحوا أول السواد، ذكر للمثنى بن حارثة أمر سوق بغداد، ثم أورد بإسناد له عن ابن إسحاق أن أهل الحيرة قالوا للمثنى، و ذكره سيف من طريق آخر أن رجلا من أهل الحيرة قال للمثنى، و اللفظ فى الحديثين متقارب، و قد دخل حديث أحدهما فى حديث الآخر، قالوا: أ لا ندلك على قرية يأتيها تجار مدائن كسرى و تجار السواد و يجتمع بها فى كل سنة من الناس مثل خراج العراق، و هذه أيام سوقهم التي يجتمعون فيها، فإن أنت قدرت على أن تعبر إليهم و هم لا يشعرون أصبت بها ما لا يكون غناء للمسلمين و قوة على عدوهم، و بينها و بين مدائن كسرى عامة يوم، فقال لهم: فكيف لى بها؟ قالوا: إن أردتها فخذ طريق البر، حتى تنتهى إلى الأنبار، ثم تأخذ رءوس الدهاقين، فيبعثون معك الأدلاء، فتسير سواد ليلة من الأنبار حتى تأتيهم ضحى.
قال: فخرج من النخيلة و معه أدلاء الحيرة، حتى دخل الأنبار، فنزل بصاحبها فتحصن منه، فأرسل إليه: ما يمنعك من النزول؟ فأرسل إليه: إنى أخاف، فأرسل إليه: انزل فإنك آمن على دمك و قريتك، و ترجع سالما إلى حصنك، فتوثق عليه ثم نزل، فأطعمه المثنى، و خوفه و استكتمه، و قال: إنى أريد أن أعبر فابعث معى الأدلاء إلى بغداد، حتى أغير منها إلى المدائن، قال: أنا أجئ معك، قال المثنى: لا أريد أن تجيء معى، و لكن ابعث معى من يعرف الطريق، ففعل و أمر لهم بزاد و طعام و علف، و بعث معهم دليلا، فأقبل حتى إذا بلغ المنصف قال له المثنى: كم بيننا و بين هذه القرية؟ قال: أربعة فراسخ أو خمسة، و قد بقى عليك ليل، فقال لأصحابه: من ينتدب للحرس، فانتدب له قوم، فقال لهم: اذكروا حرسكم، ثم نزل و قال للناس: أنزلوا فاقضوا و اطمعوا و توضئوا و تهيئوا و ابعثوا الطلائع فلا يلقون أحدا إلا حبسوه، ثم سار بهم فصبحهم فى أسواقهم، فوضع فيهم السيف، فقتل و أخذ الأموال، و قال لأصحابه: لا تأخذوا إلا الذهب و الفضة، و من المتاع ما يقدر الرجل منكم على حمله على دابته، و هرب الناس، و تركوا أمتعتهم و أموالهم، و ملأ المسلمون أيديهم من الصفراء و البيضاء و الحرّ من كل شيء.
ثم كر راجعا، ثم نزل بنهر السيلحيين من الأنبار، فقال للمسلمين: احمدوا الله الذي سلمكم و غنمكم، و انزلوا فاعلفوا خيلكم من هذا القصب، و علقوا عليها، و أصيبوا من