اسم الکتاب : الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله(ص) و الثلاثة الخلفاء المؤلف : أبو الربيع الحميري الكلاعي الجزء : 2 صفحة : 354
الأنهار، سخر الله له كل نهر من المشرق و المغرب، فإذا أراد الله أن يجريه أمر الأنهار فأمدته بمائها، و فجر له الأرض عيونا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد سبحانه أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره.
و لما فتح عمرو مصر أتاه أهلها حين دخل بؤنة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير، إن لنيلنا هذا سنة لا يجرى إلا بها. فقال: و ما ذاك؟ قالوا: إنه إذا كان لاثنتى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عهدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أبويها، و جعلنا عليها من الحلى و الثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها فى هذا النهر. فقال لهم عمرو: إن هذا لا يكون فى الإسلام، و إن الإسلام يهدم ما قبله. فأقاموا ذلك الشهر و الشهرين اللذين بعده لا يجرى قليلا و لا كثيرا حتى هموا بالجلاء، فلما رأى ذلك عمرو كتب به إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر، رضى الله عنه:
قد أصبت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، و قد بعثت إليك ببطاقة فألقها فى داخل النيل.
فلما قدم الكتاب على عمرو و فتح البطاقة فإذا فيها:
من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر: أما بعد، فإن كنت تجرى من قبلك فلا تجر، و إن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك.
فألقى عمرو البطاقة فى النيل قبل يوم الصليب بيوم، و قد تهيأ أهل مصر للجلاء و الخروج منها؛ لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم الصليب و قد أجراه الله، عز و جل، ستة عشر ذراعا فى ليلة. و قطع تلك السنة السوء عن أهل مصر.
ذكر فتح أنطابلس
قال ابن عبد الحكم [1]: كان البربر بفلسطين، يعنى فى زمان داود (عليه السلام)، فخرجوا منها متوجهين إلى الغرب حتى انتهوا إلى لوبية و مراقية، و هما كورتان من كور مصر الغربية، مما يشرب من ماء السماء و لا ينالهما النيل، فتفرقوا هنالك، فتقدمت زناتة و مغيلة إلى الغرب و سكنوا الجبال و تقدمت لواتة فسكنت أرض أنطابلس و هى برقة، و تفرقت فى هذا الغرب و انتشروا فيه حتى بلغوا السوس، و نزلت هوارة مدينة لبدة،
[1] انظر: فتوح مصر و أخبارها لابن عبد الحكم (ص 170، 171).
اسم الکتاب : الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله(ص) و الثلاثة الخلفاء المؤلف : أبو الربيع الحميري الكلاعي الجزء : 2 صفحة : 354