عن محرز بن أسد الباهلى قال: دعا أبو عبيدة رءوس المسلمين و فرسان العرب الذين معه، فجمعنا بعد ما ظهرنا على فحل و فرغنا من الأردن و أرضها، و قد تحصن منا أهل إيلياء، و اجتمعت بقيسارية جموع عظام مع أهلها، و أهلها لم يزالوا كثيرا، فقال أبو عبيدة: يا أهل الإسلام، إن الله قد أحسن إليكم و ألبسكم عافية مجللة و أمنا واسعا، و أظهركم على بطارقة الروم، و فتح لكم الحصون و القلاع و القرى و المدائن، و جعلكم لهذه الدار دار الملوك، أربابا، و جعلها لكم منزلا، و قد كنت أردت النهوض بكم إلى أهل إيلياء و أهل قيسارية، فكرهت أن آتيهم و هم فى جوف مدينتهم متحرزون متحصنون، و لم آمن أن يأتيهم مدد من جندهم، و أنا نازل عليهم قد حبست نفسى لهم عن افتتاح الأرض، و لم أدر لعل من طاعتى إذا رأونى قد شغلت نفسى بهم أن يرجعوا إليهم، و أن ينقضوا العهد الذي بينى و بينهم، فرأيت أن أسير إلى دمشق، ثم أسير فى أرضها إلى من لم يدخل طاعتى منهم، ثم أسير إلى حمص، فإن قدرنا عليها، و إلا تركناها و لا نقيم عليها أكثر من يوم الأربعاء و الخميس و الجمعة، ثم ندنو من ملك الروم و ننظر ما يريد بمكانه الذي هو به، فإن الله نفاه عن مكانه ذلك لم تبق بالشام قرية و لا مدينة إلا سالمت و صالحت و أعطت الجزية و دخلت فى الطاعة [2].
فقال المسلمون جميعا: فنعم الرأى رأيك، فأمضه و سر بنا إذا بدا لك، فدعا خالدا و كان لكل ملمة و لكل شدة، فقال له: سر رحمك الله، فى الخيل. فخرج فيها، و خلف عمرو بن العاص فى أرض الأردن، و فى طائفة من أرض فلسطين مما يلى أرض العرب، و جاء خالد حتى تولى أرض دمشق، فاستقبله الذين كانوا صالحوا المسلمين.
ثم إن أبا عبيدة جاء من الغد، فخرجوا أيضا، فاستقبلوه بما يحب، فلبث يومين أو ثلاثة، ثم أمر خالدا فسار حتى بلغ بعلبك و أرض البقاع، فغلب على أرض البقاع، و أقبل قبل بعلبك حتى نزل عليها، فخرج إليه منها رجل، فأرسل إليهم فرسانا من المسلمين نحوا من خمسين، فيهم ملحان بن زياد الطائى، و قنان بن دارم العبسى، فحملوا عليهم