و كان وفد الأزد من أهل دبا قد قدموا على النبيّ (صلى اللّه عليه و سلم)، مقرين بالإسلام، فبعث عليهم مصدقا منهم، يقال له حذيفة بن اليمان الأزدى، من أهل دبا، و كتب له فرائض صدقات أموالهم، و رسم له أخذها من أغنيائهم وردها على فقرائهم، ففعل حذيفة ذلك، و بعث إلى رسول الله (صلى اللّه عليه و سلم)، بفرائض فضلت من صدقاتهم لم يجد لها موضعا، فلما توفى رسول الله (صلى اللّه عليه و سلم)، منعوا الصدقة و ارتدوا، فدعاهم حذيفة إلى التوبة، فأبوا، و أسمعوه شتم النبيّ (صلى اللّه عليه و سلم)، فقال: يا قوم، أسمعونى الذي فى أبى و فى أمى، و لا تسمعونى الأذى فى رسول الله (صلى اللّه عليه و سلم)، فأبوا إلا ذلك، و جعلوا يرتجزون:
فكتب حذيفة إلى أبى بكر الصديق بما كان منهم، فاغتاظ أبو بكر عليهم غيظا شديدا، و قال: من هؤلاء، ويل لهم، ثم بعث إليهم عكرمة بن أبى جهل، و كان النبيّ (صلى اللّه عليه و سلم)، استعمله على سفلى بن عامر بن صعصعة مصدقا، فلما بلغته وفاة النبيّ (صلى اللّه عليه و سلم)، انحاز إلى تبالة فى أناس من العرب ثبتوا على الإسلام، فكان مقيما بتبالة من أرض كعب بن ربيعة، فجاءه كتاب أبى بكر الصديق و كان أول بعث بعثه إلى أهل الردة، أن سر فيمن قبلك من المسلمين إلى أهل دبا، فسار عكرمة فى نحو ألفين من المسلمين، و رأس أهل الردة لقيط بن مالك، فلما بلغه مسير عكرمة بعث ألف رجل من الأزد يلقونه، و بلغ عكرمه أنهم فى جموع كثيرة، فبعث طليعة، و كان لأصحاب لقيط أيضا طليعة، فالتقى الطليعتان فتناوشوا ساعة.
ثم انكشف أصحاب لقيط، و بعث أصحاب عكرمة فارسا نحو عكرمة، فلما أتاه الخبر أسرع بأصحابه و من معه حتى لحق طليعته، ثم زحفوا جميعا ميمنة و ميسرة، و سار
[1] راجع: المنتظم لابن الجوزى (4/ 85)، تاريخ الطبرى (3/ 314)، البداية و النهاية لابن كثير (6/ 323- 325).