responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التصوير القراني للقيم الخلقيه والتشريعيه المؤلف : علي علي صبح    الجزء : 1  صفحة : 98
وحينما يصور القرآن الكريم أعمال الكافرين الحسنة التي يحسبون أنها ستنفعهم يوم القيامة، فتخفف عنهم شيئًا من العذاب، فيتعلَّقون بها كما يتعلق الظمآن في اليوم القائظ بالسراب الخادع في الصحراء القاسية الجافة؛ فيزداد ندامة وحسرة، ويبوء بالخسران المبين كما آية النور السابقة.
فقد صور القرآن الكريم في هذا التشبيه المعنى الذهني المجرد في صورة محسة تدرك بالحواس لا بالعقل وحده؛ فجاءت أعمال الذين كفروا في الدنيا من حسن المعاملة، وبذل المال، وقول المعروف، وصلة القربى، والإحسان للناس، وغيرها مما يعلقون عليها الأمل والنفع، فإذا بهم لا تنفعهم في الآخرة؛ فلم يجدوا فيها ثوابًا يعينهم على هول يوم القيامة، وهم في أشد الحاجة إلى ذلك، ثم جاء التشبيه فصور المشبه به: هذه المعاني الفكرية في صورة تدرك بالحس، وهي صورة السراب، الذي يتراءى في الصحراء ماءً للرائي، فيتلهف إليه الظمأن بين أحشائه، حتى إذا ما انتهى إليه لم يجد شيئًا، وإنما يجد هولًا وعذابًا وعقابًا شديدًا.
وبذلك تتحرك هذه المعاني في مشهد حتى يموج بالحيوية والحياة والجدة والحركة، من خلال أدواته التي يسمع وقعها الأليم، وفي دقات القلب السريعة، وفرقعات السير وضجيجه؛ فترى العين هذه المعاني من خلال الظلال والألوان: ترى طريقًا وشخصًا يطويها، وصحراء واسعة وضبابًا حينًا، وشمسًا حارقة أحيانًا، وسرابًا يراوغ العين، كما يتذوق مرارة الجوع، وحرقة المعاناة والكد، ولظى المفاجأة، وخيبة الرجاء.

اسم الکتاب : التصوير القراني للقيم الخلقيه والتشريعيه المؤلف : علي علي صبح    الجزء : 1  صفحة : 98
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست