responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مختصر تفسير البغوي المسمي بمعالم التنزيل المؤلف : عبد الله الزيد    الجزء : 1  صفحة : 88
ثم راجعها، بقصد مُضَارَّتَهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] يَعْنِي: الطَّلَاقَ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَقِيبَهُ مَرَّتَانِ، فَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زوجِ آَخر، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] قِيلَ: أَرَادَ بِالْإِمْسَاكِ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ، يَعْنِي: إِذَا رَاجَعَهَا بعد الطلقة الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ كُلُّ مَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ مِنْ أداءِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وحُسن الصُّحْبَةِ، {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وهو أَنْ يَتْرُكَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ حَتَّى تنقضي عدتها {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] أعطيتموهنّ شيئًا من الْمُهُورَ وَغَيْرَهَا، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْخُلْعَ، فَقَالَ: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] نَزَلَتْ فِي جَمِيلَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَيُقَالُ في حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ، كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وكانت تبغضه وهو يُحبّها أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَشَكَتْ إِلَيْهِ زَوْجَهَا وَقَالَتْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَنَا وَلَا هُوَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ثابت بن قيس، قال ثابت: يا رسول الله قد أعطيتها حديقة فقل لها تردها عَلَيَّ وَأُخَلِّي سَبِيلَهَا، فَقَالَ لَهَا: تَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ وَتَمْلِكِينَ أَمْرَكِ، قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ثابتُ خُذْ مِنْهَا مَا أَعْطَيْتَهَا، وخلّ سبيلَها» ففعل [1] قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا أَنْ يَخَافَا) ، أي: يعلما أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ (إِلَّا أَن يخَافَا) بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ: يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، يَعْنِي: يَعْلَمُ الْقَاضِي والوالي ذَلِكَ مِنَ الزَّوْجَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ} [البقرة: 229] فَجَعَلَ الْخَوْفَ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ: فَإِنْ خَافَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (يَخَافَا) بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يَعْلَمُ الزوجان من أنفسهما أنْ لا يُقيما حُدُودَ اللَّهِ، تَخَافُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَعْصِيَ اللَّهَ فِي أَمْرِ زَوْجِهَا، وَيَخَافُ الزَّوْجُ إِذَا لَمْ تُطِعْهُ امْرَأَتُهُ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهَا فَنَهَى اللَّهُ الرجلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنِ امْرَأَتِهِ شَيْئًا مِمَّا آتَاهَا إلا يَكُونَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا، فَقَالَتْ: لَا أُطِيعُ لَكَ أَمْرًا وَلَا أَطَأُ لَكَ مَضْجَعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] أَيْ: فِيمَا افتدتْ بِهِ الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا مِنْهُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: (عَلَيْهِمَا) الزَّوْجَ دُونَ الْمَرْأَةِ، فَذَكَرَهُمَا جَمِيعًا لِاقْتِرَانِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الْكَهْفِ: 61] وَإِنَّمَا النَّاسِي فَتَى مُوسَى دُونَ مُوسَى، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، لَا جُنَاحَ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي النُّشُوزِ إِذَا خَشِيَتِ الْهَلَاكَ وَالْمَعْصِيَةَ، وَلَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَأَعْطَتْ بِهِ الْمَالَ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ من إتلاف المال بغير حق، وعلى الزَّوْجِ فِيمَا أَخَذَ مِنْهَا مِنَ الْمَالِ إِذَا أَعْطَتْهُ طَائِعَةً، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الخلع جائز على أَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَجُوزُ بِأَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا مِنَ الْمَهْرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا جَمِيعَ ما أعطاها بل يترك شَيْئًا، وَيَجُوزُ الْخُلْعُ عَلَى غَيْرِ حَالِ النُّشُوزِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُكره لِمَا فِيهِ مِنْ قَطع الْوَصْلَةِ بلا سبب. قَوْلُهُ تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: 229] أَيْ: هَذِهِ أَوَامِرُ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ، وَحُدُودُ اللَّهِ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنَ الْمُجَاوَزَةِ عَنْهُ، {فَلَا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] فَلَا تُجَاوِزُوهَا، {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]
[230] قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} [البقرة: 230] يَعْنِي: الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ، {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] أَيْ: مِنْ بَعْدِ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] أَيْ: غَيْرَ الْمُطَلِّقِ فَيُجَامِعُهَا، وَالنِّكَاحُ يتناول الوطء والعقد جميعًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] يَعْنِي: فَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي بَعْدَمَا جَامَعَهَا فَلَا جُناح عَلَيْهِمَا، يَعْنِي: عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يَتَرَاجَعَا، يَعْنِي: بِنِكَاحٍ جديد {إِنْ ظَنَّا} [البقرة: 230] أَيْ: عَلِما، وَقِيلَ: رَجَوَا، لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَعْلَمُ مَا هُوَ

[1] رواه مختصرًا أبو داود في الطلاق 3 / 143، والنسائي في الطلاق 6 / 186 وابن جرير في التفسير 4 / 554.
اسم الکتاب : مختصر تفسير البغوي المسمي بمعالم التنزيل المؤلف : عبد الله الزيد    الجزء : 1  صفحة : 88
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست