responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القران المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 590
هذه الآيات الثلاث تتضمن أصول علم الفرائض- أي علم الميراث- أما التفريعات فقد جاءت السّنة ببعضها نصاً، واجتهد الفقهاء في بقيتها تطبيقاً على هذه الأصول. وليس هنا مجال الدخول في هذه التفريعات والتطبيقات فمكانها كتب الفقه- فنكتفي- في ظلال القرآن- بتفسير هذه النصوص، والتعقيب على ما تتضمنه من أصول المنهج الإسلامي..
«يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ..» ..
وهذا الافتتاح يشير- كما ذكرنا- إلى الأصل الذي ترجع إليه هذه الفرائض، وإلى الجهة التي صدرت منها، كما يشير إلى أن الله أرحم بالناس من الوالدين بالأولاد، فإذا فرض لهم فإنما يفرض لهم ما هو خير مما يريده الوالدون بالأولاد..
وكلا المعنيين مرتبطان ومتكاملان..
إن الله هو الذي يوصي، وهو الذي يفرض، وهو الذي يقسم الميراث بين الناس- كما أنه هو الذي يوصي ويفرض في كل شيء، وكما أنه هو الذي يقسم الأرزاق جملة- ومن عند الله ترد التنظيمات والشرائع والقوانين، وعن الله يتلقى الناس في أخص شؤون حياتهم- وهو توزيع أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم- وهذا هو الدين. فليس هناك دين للناس إذا لم يتلقوا في شؤون حياتهم كلها من الله وحده وليس هناك إسلام، إذا هم تلقوا في أي أمر من هذه الأمور- جل أو حقر- من مصدر آخر. إنما يكون الشرك أو الكفر، وتكون الجاهلية التي جاء الإسلام ليقتلع جذورها من حياة الناس.
وإن ما يوصي به الله، ويفرضه، ويحكم به في حياة الناس- ومنه ما يتعلق بأخص شؤونهم، وهو قسمة أموالهم وتركاتهم بين ذريتهم وأولادهم- لهو أبر بالناس وأنفع لهم، مما يقسمونه هم لأنفسهم، ويختارونه لذرياتهم.. فليس للناس أن يقولوا: إنما نختار لأنفسنا. وإنما نحن أعرف بمصالحنا.. فهذا- فوق أنه باطل- هو في الوقت ذاته توقح، وتبجح، وتعالم على الله، وادعاء لا يزعمه إلا متوقح جهول! قال العوفي عن ابن عباس: ( «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» .. وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض، للولد الذكر، والأنثى، والأبوين، كرهها الناس- أو بعضهم- وقالوا: تعطى المرأة الربع أو الثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير. وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم، ولا يجوز الغنيمة! اسكتوا عن هذا الحديث، لعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ينساه، أو نقول له فيغير! فقالوا: يا رسول الله، تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس، ولا تقاتل القوم. ويعطى الصبي الميراث، وليس يغني شيئاً- وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، ولا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم، ويعطونه الأكبر فالأكبر) .. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير..
فهذا كان منطق الجاهلية العربية، الذي كان يحيك في بعض الصدور اليوم- وهي تواجه فريضة الله وقسمته العادلة الحكمية.. ومنطق الجاهلية الحاضرة الذي يحيك في بعض الصدور اليوم- وهي تواجه فريضة الله وقسمته- لعله يختلف كثيراً أو قليلاً عن منطق الجاهلية العربية. فيقول: كيف نعطي المال لمن لم يكد فيه ويتعب من الذراري؟ وهذا المنطق كذاك.. كلاهما لا يدرك الحكمة، ولا يلتزم الأدب وكلاهما يجمع من ثم بين الجهالة وسوء الأدب! «لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» ..
وحين لا يكون للميت وارث إلا ذريته من ذكور وإناث، فإنهم يأخذون جميع التركة، على أساس أن
اسم الکتاب : في ظلال القران المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 590
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست