responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : القمي النيسابوري، نظام الدين الحسن    الجزء : 4  صفحة : 274

التفسير : لما حكى عن القوم عظيم كفرهم وفظيع قولهم بين غاية كرمه وسعة رحمته حيث إنه لا يعاجلهم بالعقوبة فقال : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) الآية. فزعم بعض الطاعنين في عصمة الأنبياء أنه أضاف الظلم إلى ضمير الناس والأنبياء من جملة الناس فوجب أن يكونوا ظالمين عاصين ويؤكدا هذا قوله : (ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) فإنه لو لم يصدر من الأنبياء ذنب لم يكن لإفنائهم وجه وحينئذ لم يصدق أنه لم يبق على الأرض واحد. والجواب لا نسلم عموم الناس في الآية لقوله سبحانه في موضع آخر (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [لقمان : ٣٢] ولا ريب أن المقتصدين والسابقين ليسوا ظالمين ، فإذن المراد بالناس إما كل العصاة الذين استحقوا العقاب ، أو الذين تقدم ذكرهم من المشركين. وأما قوله : (مِنْ دَابَّةٍ) فعن ابن عباس أنه أراد من مشرك يدب عليها نظيره قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٥٥] ولو سلم أن المراد بها كل من يدب عليها فلعل الهلاك في حق الظلمة يكون عذابا وفي غيرهم امتحانا فقد وقعت هذه الواقعة في زمان نوح عليه‌السلام. وأيضا من المعلوم أنه لا أحد إلا وفي آبائه من يستحق العذاب ، فلو أهلكوا لبطل نسلهم ولأدى إلى إفناء الناس ، بل الدواب كلها لأن الدواب مخلوقة لمنافع العباد ومصالحهم. عن أبي هريرة أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه فقال : بلى والله حتى إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم. وعن ابن مسعود : كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم. وقيل : لو يؤاخذهم لانقطع القطر وفي انقطاعه انقطاع النبت وفي انقطاع النبت فناء الدواب. قالت المعتزلة : في الآية دلالة على أن الظلم والمعاصي ليست من أفعال الله تعالى وإلا لم يؤاخذهم بها فرضا ، ولم يضف الظلم إليهم ولم يذمهم على ذلك. وفي قوله : (بِظُلْمِهِمْ) دليل على أن الظلم هو المؤثر في العقاب ، فإن الباء للعلية. وجواب الأشاعرة معلوم وهو أنه لا يسأل عما يفعل ، وأيضا المعارضة بالعلم والدواعي ووجوب انتهاء الكل إليه. قال بعض الأصوليين : الأصل في المضار الحرمة لأن الضرر لا يجوز أن يكون مشروعا ابتداء بالإجماع ولقوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨] (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ضرر ولا ضرار» في الإسلام «ملعون من ضر مسلما» ولا أن يكون مشروعا على وجه يكون جزاء عن جرم سابق بهذه الآية لأن كلمة «لو» وضعت لانتفاء الشيء لانتفاء غيره. فالآية تقتضي أنه تعالى ما آخذ الناس بظلمهم وأنه ترك على ظهرها دابة كما هو المشاهد إذا ثبت هذا الأصل فنقول : إذا وقعت حادثة مشتملة على المضار فإن وجدنا نصا على كونها مشروعة قضينا به تقديما للخاص على العام وإلا قضينا عليها بالحرمة بناء على هذا الأصل. ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن

اسم الکتاب : تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان المؤلف : القمي النيسابوري، نظام الدين الحسن    الجزء : 4  صفحة : 274
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست