بنصفين قسم ثناء وقسم دعاء ، وقد ورد الحديث في هذا المعنى «قسمت الصلاة
بيني وبين عبدي نصفين» [١]وقد مر في أول الكتاب. وأيضا كلماتها مثناة مثل : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِيَّاكَ) و (إِيَّاكَ الصِّراطَ
صِراطَ عَلَيْهِمْ عَلَيْهِمْ) واشتمالها على ثناء الله تعالى وتحميده مقرر ومما يتفرع
على هذا القول ما نقل القاضي عن أبي بكر الأصم أنه قال : كان ابن مسعود لا يكتب في
مصحفه فاتحة الكتاب. فقيل : كأنه رأى أنه تعالى عطف عليه قوله : (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) والعطف يوجب المغايرة فوجب أن تكون السبع المثاني غير
القرآن. والجواب أنه قد يكون بعطف الجزء على الكل كقوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) [البقرة : ٩٨] أو بالعكس كما في الآية. والمقصود في الوصفين تميز البعض عن
الكل تنبيها على مزية ذلك البعض وشرفه. فإن قلت : ليس لعطف الكل على البعض نظير ،
والاستدلال بالآية استدلال بصورة النزاع من غير دليل. قلنا : يكفي بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ) دليلا على أنه من القرآن. وعن ابن عمر وسعيد بن جبير في
رواية : أن السبع المثاني هي السبع الطوال سميت بذلك لما وقع فيها من تكرير القصص
والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك ، أو لأنها تثني على الله بأفعاله العظمى وصفاته
الحسنى. وأنكر الربيع هذا القول لأن هذه السورة مكية وأكثر تلك السورة مدنية.
وأجيب بأن المراد من الإيتاء إنزالها إلى السماء الدنيا ، والمكية والمدنية في ذلك
سيان ، وضعف بأن إطلاق لفظ الإيتاء على ما لم يصل بعد إليه خلاف الظاهر. وقال قوم
: السبع المثاني هي التي دون الطوال والمئين وفوق المفصل ، واحتجوا عليه بما روى
ثوبان أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله أعطاني السبع الطوال مكان
التوراة ، وأعطاني المئين مكان الإنجيل ، وأعطاني المثاني مكان الزبور وفضلني ربي
بالمفصل» [٢]. قال الواحدي : والقول في تسمية هذه السور مثاني كالقول
في تسمية الطول مثاني. وروي عن ابن عباس وإليه ذهب طاوس أنها هي القرآن لقوله
سبحانه : (كِتاباً مُتَشابِهاً
مَثانِيَ) [الزمر : ٢٣] وأنها سبعة أسباع كرر فيها دلائل التوحيد والنبوة والتكاليف.
ومعنى العطف على هذا القول الجمعية كقوله : إلى الملك القرم وابن الهمام. وكأنه
قيل : آتيناك ما هو الجامع لكونه سبعا مثاني ولكونه قرآنا عظيما. قال الزجاج
ووافقه صاحب الكشاف : و «من» في (مِنَ الْمَثانِي) للبيان أو للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطول ، وللبيان
إذا أردت الأسباع.
(١ ، ٢) رواه مسلم في
كتاب الصلاة حديث : ٣٨ ، ٤٠. أبو داود في كتاب الصلاة باب : ١٣٢. الترمذي في كتاب
تفسير سورة الفاتحة باب : ١. النسائي في كتاب الافتتاح باب : ٢٣. ابن ماجه في كتاب
الأدب باب : ٥٢. أحمد في مسنده (٢ / ٢٤١ ، ٢٨٥).