إلى الله
الكريم أرغب في إبداع غرائب القرآن ، وبفضله العميم أتأهّب لإيداع رغائب الفرقان ،
فإليه منتهى الأمل والسؤال ، وهذا حين أفتتح فأقول :
الحمد لله الذي
جعلنا ممن شرح صدره للإسلام فهو على نور من ربّه وجبلني ذا نفس أبيّة وهمّة عليّة
لا تكاد تستأنس إلا بذكر حبه. أعاف سفساف الأمور ، وأخاف الموبقات الموجبات
للثبور. أميل عن زخرف الدنيا وزبرجها ، وأكبح النفس أن تحوم حول مخرجها ومولجها.
هي النفس ما حمّلتها تتحمّل
إن أرسلت
استرسلت وإن قدعت انقدعت في الأول. ولله درّ السلف الشرر العيون إلى الأماني
الفارغة الفانية ، والأضاليل الملهية المنبئة عن السعادات الباقية. تاقت قلوبهم
إلى الكرامات الدائمات واشتاقت أرواحهم إلى اللذّات الحقيقيات ، وتاهت ضمائرهم في
بيداء عظمة الملك والملكوت وتلاشت سرائرهم في دأماء ديمومية العزة والجبروت ، فخلصوا
من الناسوت ووصلوا إلى اللاهوت ، وفنوا بشهوده وبقوا بوجوده ورضى كل منهم بقضاء
معبوده ، فتجلت لهم الذات واتحدت عندهم المختلفات فطابت لهم الغدوات واعتدلت لهم
العشيات ، ولم تطمح أعينهم إلا إلى تحصيل لما يقرّب إلى الله زلفى وما جرت ألسنتهم
إلا بذكر الحق طوبى لهم وبشرى. أسألك اللهم الاقتداء بأولئك ، والتوفيق لشكر ما
أسبغت عليّ من عطائك وأتممت من نعمائك ، وأعوذ بك أن أزلّ أو أضلّ فيما آتي وأذر ،
وأن أركن إلى الذين ظلموا فتمسني النار يوم العرض الأكبر. ثبّت أقدام أقلامي على
الصدق ، ولا تقض أن ينطق فمي بكلام سوى الحق ، واجعلني بفضلك ممن لا ينظر إلا إليك
ولا يرغب إلا فيما لديك. بريتني من غير سابقة علم مني ، وربيتني من غير حق يوجب
ذلك عليك ،