الحجر. وعن الحسن : لم يأمره أن يضرب حجرا بعينه قال : وهذا أظهر في الحجة
وأبين في القدرة. ثم إنهم قالوا : كيف بنا لو أفضينا إلى أرض ليست فيها حجارة؟
فحمل حجرا في مخلاته فحيثما نزلوا ألقاه ، وأما الصنف والشكل فقيل : كان من رخام
وكان ذراعا في ذراع. وقيل : مثل رأس الإنسان. وقيل : له أربعة أوجه كما مر ، وهذا
إذا لم يعتبر الفوقاني ومقابله. وأما الضرب فقيل : كان يضربه بعصاه فينفجر ويضربه
بها فييبس فقالوا : إن فقد موسى عصاه متنا عطشا ، فأوحى الله تعالى إليه : لا تقرع
الحجارة وكلمها تطعك لعلهم يعتبرون. والفاء في قوله (فَانْفَجَرَتْ) فاء فصيحة كما سبق في (فَتابَ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ٥٤] وفي هذا الحذف دلالة على أن موسى لم يتوقف عن اتباع الأمر ،
وأنه من انتفاء الشك عنه بحيث لا حاجة إلى الإفصاح به. والانفجار والانبجاس واحد
ومعناه خروج الماء بسعة وكثرة. وأصل الفجر الشق ومنه الفاجر لأنه يشق عصا المسلمين
بمخالفتهم. وقيل : الانبجاس خروج الماء قليلا ، ووجه بأن الفجر في الأصل هو الشق ،
والبجس الشق الضيق فلا يتناقضان كما لا يتناقض المطلق والمقيد والعام والخاص ، أو
لعله انبجس أوّلا ثم انفجر ثانيا وكذا العيون تظهر الماء قليلا ثم يكثر لدوام
خروجه ، أو لعل حاجتهم تشتد تارة فينفجر وتضعف أخرى فينبجس.
(قَدْ عَلِمَ كُلُّ
أُناسٍ) أي كل سبط (مَشْرَبَهُمْ) كأنه أمر كل سبط أن لا يشرب إلا من جدول معين حسما
لمادة التشاجر ، فإن العادة في الرهط الواحد أن لا يقع بينهم من التنازع مثل ما
يقع بين المختلفين. وهذا أيضا من تمام النعمة عليهم ، وإنما فقد العاطف لأن قوله (قَدْ عَلِمَ) بيان وتفصيل لما أجمل في قوله (اثْنَتا عَشْرَةَ) كأنه قيل : هذا المجموع مشاع بينهم أو مقسوم فقيل قد
علم (كُلُوا) على إرادة القول أي وقلنا أي قال لهم موسى كلوا من المن
والسلوى الذي رزقناكم بلا تعب ولا نصب ، واشربوا من هذا الماء. وقيل : إن الأغذية
لا تنبت إلا بالماء ، فلما أعطاهم الماء فكأنما أعطاهم المأكول والمشروب. والعثو
أشد الفساد ، و (مُفْسِدِينَ) قيل : نصب على الحال المؤكدة وهو ضعيف ، فإن من شرطها
أن تكون مقررة لمضمون جملة اسمية. وقيل : حال منتقلة ومعناه النهي عن التمادي في
حالة الإفساد ، إما مطلقا أو مقيدا بأنه إن وقع التنازع بسبب ذلك الماء فلا
تبالغوا في التنازع. ويرد على هذا القول أن الإفساد منهي عنه مطلقا ، وهذا التفسير
يقتضي أن يكون المنهي عنه هو التمادي في الإفساد لا نفس الإفساد. والصحيح أن يقال
: إن المنصوبات في نحو قوله عز من قائل (وَلا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
مُدْبِرِينَ) [التوبة : ٢٥] وفي نحو قولهم