التفسير
: إنه سبحانه لما
قدّم ذكر النعمة على بني إسرائيل إجمالا أخذ في تفصيلها واحدة فواحدة ليكون أبلغ
في التذكير وأعظم في الحجة كأنه قال : اذكروا نعمتي ، واذكروا إذ نجيناكم ، وإذ
فرقنا ، وإذ كان كذا وكذا. «وإذ» في جميع هذه القصص بمعنى مجرد الوقت مفعول به لـ «اذكروا»
وأصل الإنجاء والتنجية التخليص ، ومنه النجوة للمكان العالي لأن من صار إليه نجا
أي تخلص من أن يعلوه سيل ، أو لأن الموضع تخلص مما انحط عنه. وأصل آل أهل بدليل
أهيل وأهال في تحقيره وتكسيره على الأعرف ، فأبدلت إلى «أءل» على خلاف القياس ، ثم
إلى «آل» وجوبا فالألف فيه بدل عن همزة بدل عن هاء. ولا يستعمل الآل إلا فيمن له
خطر. يقال «آل النبي» «وآل الملك» ولا يقال : آل الحائك. وإنما يقال أهله ، وهكذا
لا يقال : آل البلد وآل العلم ، وإنما يقال أهلهما. وعند الكسائي ، أصله أول بدليل
تصغيره على أويل ، كأنهم يؤلون إلى أصل قلبت الواو ألفا على القياس. و (فِرْعَوْنَ) علم لمن ملك العمالقة أولاد عمليق ابن لاوذ بن أرم بن
سام بن نوح كقيصر لملك الروم ، وكسرى لملك الفرس ، وخاقان للترك ، وتبع لليمن.
واختلف في اسمه. فابن جريج : أن اسمه مصعب بن ريان. وابن إسحق : أنه الوليد بن
مصعب. ولم يكن من الفراعنة أغلظ وأقسى قلبا منه. وعن وهب بن منبه : أن أهل
الكتابين قالوا : إن اسمه قابوس وكان من القبط. وقيل : إن فرعون يوسف هو فرعون
موسى. وضعف إذ كان بين دخول يوسف مصر وبين دخول موسى أكثر من أربعمائة سنة. وقال
محمد بن إسحق : هو غير فرعون يوسف وإن اسم فرعون يوسف الريان بن الوليد. والمراد
بآل فرعون أتباعه وأعوانه الذين عزموا على إهلاك بني إسرائيل بأمره. ولعتوّ
الفراعنة اشتقوا «تفرعن» فلان إذا عتا وتجبر. و (يَسُومُونَكُمْ) من سامه خسفا إذا أولاه ظلما. قال عمرو بن كلثوم :
إذا ما الملك
سام الناس خسفا
أبينا أن نقر
الخسف فينا
وأصله من سام
السلعة إذا طلبها كأنه بمعنى يبغونكم سوء العذاب ويريدونكم عليه. والسوء مصدر
السيء يقال : أعوذ بالله من سوء الخلق وسوء الفجور يراد قبحهما. ومعنى سوء العذاب
والعذاب كله سيىء أشده وأفظعه ، كأنه قبحه بالإضافة إلى سائره ، أو المراد عذاب من
غير استحقاق ، لأن العذاب بالاستحقاق حسن واختلف في سوء العذاب فابن إسحق : إنه
جعلهم خدما وخولا وصنفهم في أعماله ، فمن بان وحارث وزارع ومن لم يكن