responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 181
وَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُسَمَّى رَحْمَةً لَا عَذَابًا، وَيَكُونُ لِبَعْضٍ آخَرَ نِقْمَةً وَقِصَاصًا عَادِلًا يُمْحَى بِهِ بَاطِلُ الْجَمَاعَةِ، وَيُمْحَقُ بِهِ طُغَاتُهَا الْفَاسِدُونَ وَالْمُفْسِدُونَ، وَهُوَ الْجَدِيرُ بِاسْمِ الْعَذَابِ، الَّذِي وَعَدَ اللهُ هُنَا بِجَعْلِهِ عَاقِبَةَ الْقِتَالِ لِمَنْ يُقْتَلُ فَقَطْ، دُونَ
مَنْ يَتُوبُ وَيُؤْمِنُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّهُ كَانَ الْأَكْثَرَ. وَهُوَ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ وَصْفِ أَكْثَرِهِمْ بِالْفِسْقِ فِي هَذَا السِّيَاقِ نَفْسِهِ، فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حَالَ أَكْثَرِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَاتِ، وَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ بَعْدَ تَرْبِيَةِ مَجْمُوعِهِمْ بِالْقِتَالِ.
وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ تَعْذِيبَ اللهِ إِيَّاهُمْ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (8: 33) وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَذَابِ الْمَنْفِيِّ هُنَالِكَ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ، وَنَقُولُ: إِنَّهُ لَا مَحَلَّ لِلِاسْتِشْكَالِ؛ لِأَنَّهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ يَكُنْ فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَعَدَ تَعَالَى هُنَا بِتَعْذِيبِهِمْ كَمَا كَانَ فِي مَكَّةَ بَيْنَ مُشْرِكِيهَا حِينَ قَالُوا: اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8: 32) يَعْنُونَ عَذَابًا كَعَذَابِ أَقْوَامِ الرُّسُلِ الَّذِينَ كَذَّبُوا جُحُودًا وَعِنَادًا، وَخَوَّفَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِمِثْلِهِ فِي كِتَابِهِ، وَهُوَ الْعَذَابُ الَّذِي نَفَى اللهُ وُقُوعَهُ كَمَا قَالَ الْمُسْتَشْكِلُ هُنَا حَيْثُ لَا مَجَالَ لِلِاسْتِشْكَالِ، فَإِنَّ التَّعْذِيبَ هُنَالِكَ نِقْمَةٌ مَحْضَةٌ، وَمَا كَانَ لِيَقَعَ عَلَى قَوْمِ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ. وَأَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ انْتِقَامٌ مِنْ بَعْضِهِمْ بِمَا هُوَ رَحْمَةٌ لِمَجْمُوعِهِمْ، فَهُوَ كَقَطْعِ الْعُضْوِ الْمَجْذُومِ مِنَ الْجَسَدِ لِأَجْلِ سَلَامَةِ جُمْلَتِهِ، كَمَا قَالَ فِي حِكْمَةِ مَا لَقُوا مِنَ الشَّدَائِدِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ: وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (3: 141) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْبَاقِينَ مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ قَدْ صَارُوا سَادَةَ الْبَشَرِ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ الْجِهَادُ الَّذِي ذَاقُوا شِدَّتَهُ وَآلَامَهُ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا مَا صَارُوا أَهْلًا لِذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ هَذِهِ الْآيَةُ خَاتِمَةُ هَذَا السِّيَاقِ فِي الْحَثِّ عَلَى جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ، لِتَطْهِيرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ مِنَ الشِّرْكِ وَطُغْيَانِهِ وَخُرَافَاتِهِ، وَإِصْرَارِ الرَّاسِخِينَ فِيهِ عَلَى عَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ الْكَلَامُ فِي الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي بَيَانِ حَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي مُوَاصَلَةِ مَا بَدَءُوا
بِهِ مِنْ قِتَالِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَجْلِ دِينِهِمْ، وَقِتَالِ هَؤُلَاءِ لَهُمْ إِلَى حَدِّ الْفَصْلِ التَّامِّ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 10  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست