responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 402
وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا قَدْ أَزْهَقُوا هَذَا الرُّوحَ الْإِلَهِيَّ مِنْ دِينِهِمْ، فَسَوَاءً كَانَ مَا حَفِظُوهُ مِنَ التَّقَالِيدِ وَالْأَعْمَالِ مَأْثُورًا عَنْ أَنْبِيَائِهِمْ أَمْ غَيْرَ مَأْثُورٍ، إِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى دِينِ اللهِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهُمْ عَرَفَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ إِحْيَاءٌ لِرُوحِ الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَتَكْمِيلٌ لِشَرَائِعِهِ وَآدَابِهِ بِمَا يَصْلُحُ لِجَمِيعِ الْبَشَرِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.
ثُمَّ إِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ هَذَا وَتَأَمَّلَ حَالَ الْمُسْلِمِينَ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّهُمْ قَدِ اتَّبَعُوا سَنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَسَيَرْجِعُ مَنْ يُرِيدُ اللهُ بِهِمُ الْخَيْرَ إِلَى دِينِ اللهِ - تَعَالَى - بِالرُّجُوعِ إِلَى كِتَابِهِ الَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ تَقْلِيدَ آرَاءِ النَّاسِ فَجَاوَزُوهُ بِأَنْ حَرَّمُوا الْعَمَلَ بِهِ، كَمَا رَجَعَ الْأُلُوفُ وَأُلُوفُ الْأُلُوفِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى ذَلِكَ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى مِنْ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَسَيَرْجِعُ غَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْبَشَرِ إِلَيْهِ فَيَعُمُّ الْعَالَمِينَ (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (38: 88)
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى) ؟
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: إِنَّ (أَمْ) هُنَا مُعَادِلَةٌ لِمَا قَبْلَهَا خِلَافًا (لِلْجَلَالِ) وَمَنْ عَلَى رَأْيِهِ الْقَائِلِينَ: إِنَّهَا بِمَعْنَى بَلْ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَتَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الِامْتِيَازَ لَكُمْ عَلَيْنَا وَالِاخْتِصَاصَ بِالْقُرْبِ مِنَ اللهِ دُونَنَا هُوَ مِنَ اللهِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ. . . إِلَخْ؟ أَمْ تَقُولُونَ: إِنَّ امْتِيَازَ الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا عَلَيْهَا؟ إِنْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ هَذَا فَإِنَّ اللهَ يُكَذِّبُكُمْ فِيهِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْضًا أَنَّ اسْمَيِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ حَدَثَا بَعْدَ هَؤُلَاءِ، بَلْ حَدَثَ اسْمُ الْيَهُودِيَّةِ بَعْدَ مُوسَى، وَاسْمُ النَّصْرَانِيَّةِ بَعْدَ عِيسَى، كَمَا حَدَثَ لِلْيَهُودِ تَقَالِيدُ كَثِيرَةٌ صَارَ مَجْمُوعُهَا مُمَيِّزًا لَهُمْ. وَأَمَّا النَّصَارَى فَجَمِيعُ تَقَالِيدِهِمُ الْخَاصَّةِ بِهِمُ الْمُمَيِّزَةِ لِلنَّصْرَانِيَّةِ حَادِثَةٌ، فَإِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ عَدُوَّ التَّقَالِيدِ، وَلِهَذَا كَانَ النَّصَارَى عَلَى كَثْرَةِ مَا أَحْدَثُوا أَقْرَبَ إِلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْسُوا جَمِيعًا كَيْفَ زَلْزَلَ (رُوحُ اللهِ) تَقَالِيدَ الْيَهُودِ الظَّاهِرَةِ مَا كَانَ مِنْهَا فِي التَّوْرَاةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ ادَّعَوُا اتِّبَاعَهُ زَادُوا عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ فِي ابْتِدَاعِ التَّقَالِيدِ وَالرُّسُومِ.
وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ، إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا، وَعَلَى النَّصَارَى إِذْ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا، قَالَ
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ. كَلَّا إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّ مِلَّتَهُ هِيَ الْمِلَّةُ الْإِلَهِيَّةُ الْمَرْضِيَّةُ عِنْدَ اللهِ - تَعَالَى - وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَكَانَتْ هَذِهِ التَّقَالِيدُ الَّتِي تَقَلَّدُوهَا غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ فَمَا بَالُهُمْ صَارُوا يَنُوطُونَ النَّجَاةَ بِهَا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَا عَدَاهَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ؟ فَهُوَ لَا يُثْبِتُ لَهُمُ الْقَوْلَ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَإِنَّمَا يَقُولُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْبَدَاهَةَ قَاضِيَةٌ بِكَذِبِهِمْ فِيهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 402
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست