responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 268
وَأَمَّا النِّعْمَةُ الثَّانِيَةُ فَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) مَا مُنِحَ مِنَ اللهِ - تَعَالَى - يُسَمَّى إِيجَادُهُ إِنْزَالًا وَمِنَّةً (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) (57: 25) عَلَى أَنَّ الْمَنَّ يَنْزِلُ كَالنَّدَى، وَهُوَ مَادَّةٌ لَزِجَةٌ حُلْوَةٌ تُشْبِهُ الْعَسَلَ، تَقَعُ عَلَى الْحَجَرِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ مَائِعَةً، ثُمَّ تُجَمَّدُ وَتَجِفُّ فَيَجْمَعُهَا النَّاسُ، وَمِنْهَا التَّرَنْجَبِينُ وَبِهِ فَسَّرَ الْمَنَّ مُفَسِّرُنَا وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا السَّلْوَى فَقَدْ فَسَّرُوهَا بِالسُّمَّانِيِّ، وَهُوَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ، فَمَعْنَى النُّزُولِ يَصِحُّ فِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَيْضًا. وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) مُقَدَّرٌ فِيهِ الْقَوْلُ. وَفِي (سِفْرِ الْخُرُوجِ) أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكَلُوا الْمَنَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَنَّ طَعْمَهُ كَالرُّقَاقِ بِالْعَسَلِ، وَكَانَ لَهُمْ بَدَلًا مِنَ الْخُبْزِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَكْلٌ سِوَاهُ إِلَّا السَّلْوَى، فَقَدْ كَانَ مَعَهُمُ الْمَوَاشِي، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا مَحْرُومِينَ مِنَ النَّبَاتِ وَالْبُقُولِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي.
وَفِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) تَقْرِيرٌ لِقَاعِدَةٍ مُهِمَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ الدِّينُ مِنَ الْعَبْدِ فَهُوَ لِمَنْفَعَتِهِ، وَكُلُّ مَا يَنْهَاهُ عَنْهُ فَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ دَفَعَ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَلَنْ يَبْلُغَ أَحَدٌ نَفْعَ اللهِ فَيَنْفَعَهُ، وَلَنْ يَبْلُغَ أَحَدٌ ضَرَّهُ فَيَضُرَّهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ. فَكُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (2: 86)
(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)
الْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ: الْمَدِينَةُ، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِمُجْتَمَعِ النَّاسِ وَمَسْكَنِ النَّمْلِ الَّذِي يَبْنِيهِ، وَمَادَّتُهَا تَدُلُّ عَلَى الِاجْتِمَاعِ، وَمِنْهَا قَرَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إِذَا جَمَعْتُهُ، وَأُطْلِقَتْ
عَلَى الْأُمَّةِ نَفْسِهَا، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْبِلَادِ الصَّغِيرَةِ وَلَا يَصِحُّ هُنَا؛ فَإِنَّ الرَّغَدَ لَا يَتَيَسَّرُ لِلْإِنْسَانِ كَمَا يَشَاءُ إِلَّا فِي الْمُدُنِ الْوَاسِعَةِ الْحَضَارَةِ.
(قَالَ شَيْخُنَا) : وَنَسْكُتُ عَنْ تَعْيِينِ الْقَرْيَةِ كَمَا سَكَتَ الْقُرْآنُ، فَقَدْ أُمِرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِدُخُولِ بِلَادٍ كَثِيرَةٍ. وَكَانُوا يُؤْمَرُونَ بِدُخُولِهَا خَاشِعِينَ لِلَّهِ خَاضِعِينَ لِأَمْرِهِ مُسْتَشْعِرِينَ عَظَمَتَهُ وَجَلَالَهُ وَنِعَمَهُ وَأَفْضَالَهُ، وَهُوَ مَعْنَى السُّجُودِ وَرُوحِهِ الْمُرَادِ هُنَا.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 268
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست