responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 236
الْحَقِيقَةِ قَدْ كَانَتْ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللهِ وَاعْتِرَافِهِ مَعَ حَوَّاءَ بِظُلْمِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا وَطَلَبِهِمَا الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ مِنْهُ - تَعَالَى -، لَا بِمُجَرَّدِ تَدَبُّرِ الْعَقْلِ وَوَزْنِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِمِيزَانِ الْفِكْرِ. . . إِلَخْ، مَا قَالَهُ شَيْخُنَا هُنَا تَبَعًا لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الِاجْتِمَاعِ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ، وَقَدْ بَيَّنَ هُوَ فِي بَحْثِ الْحَاجَةِ إِلَى الرِّسَالَةِ - مِنْ رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ -: أَنَّ عَقْلَ الْبَشَرِ لَا يَسْتَقِلُّ بِوَضْعِ حُدُودِ لِلْأَعْمَالِ تَنْتَهِي إِلَيْهَا نَزَعَاتُ الشَّهَوَاتِ، وَيَقِفُ عِنْدَهَا سَيْرُ الْأَهْوَاءِ وَالرَّغَبَاتِ، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَشْرِيعٍ إِلَهِيٍّ لِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ أَوْجَزَ هُنَا فَتَرَكَ الْمَسْأَلَةَ مُبْهَمَةً مُظْلِمَةً، وَإِنَّنَا نَرَى أَنَّ طَوْرَ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ قَدْ بَلَغَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مُرْتَقًى لَمْ يُعْرَفْ فِي التَّارِيخِ مَا يُقَارِبُهُ، وَوَضَعَ عُلَمَاؤُهُ وَحُكَمَاؤُهُ شَرَائِعَ وَقَوَانِينَ لِإِيقَافِ التَّنَازُعِ وَالتَّخَاصُمِ عِنْدَ حَدٍّ لَا يَتَفَاقَمُ شَرُّهُ، ثُمَّ نَرَى أَعْلَمَ هَذِهِ الْأُمَمِ وَدُوَلَهَا مَبْعَثَ الشُّرُورِ وَالشَّقَاوَةِ، وَالْخُبْثِ وَالرِّيَاءِ، وَالْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ، فَلَا هِدَايَةَ إِلَّا هِدَايَةُ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي تُذْعِنُ لَهُ الْأَنْفُسُ بِمَحْضِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ - تَعَالَى.
(قَالَ) : وَبَقِيَ طَوْرٌ آخَرُ أَعْلَى مِنْ هَذِهِ الْأَطْوَارِ، وَهُوَ مُنْتَهَى الْكَمَالِ وَأَعْنِي بِهِ طَوْرَ الدِّينِ الْإِلَهِيِّ وَالْوَحْيِ السَّمَاوِيِّ الَّذِي بِهِ كَمَالُ الْهِدَايَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -:
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
أَمَرَهُمُ اللهُ - تَعَالَى - بِالْهُبُوطِ مَرَّتَيْنِ، فَالْأُولَى: بَيَانٌ لِحَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ الْهُبُوطِ مِنْ تِلْكَ الْجَنَّةِ أَوِ الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ الطَّوْرِ وَهُوَ أَنَّ حَالَهُمْ تَقْتَضِي الْعَدَاوَةَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِي الْأَرْضِ وَالتَّمَتُّعَ بِهَا، وَعَدَمَ الْخُلُودِ فِيهَا.
وَالثَّانِيَةُ: بَيَانٌ لِحَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ الطَّاعَةِ
وَالْمَعْصِيَةِ وَآثَارِهِمَا، وَهِيَ أَنَّ حَالَةَ الْإِنْسَانِ فِي هَذَا الطَّوْرِ لَا تَكُونُ عِصْيَانًا مُسْتَمِرًّا شَامِلًا، وَلَا تَكُونُ هُدًى وَاجْتِبَاءً عَامًّا - كَمَا كَانَ يُفْهَمُ لَوِ اقْتُصِرَ عَلَى ذِكْرِ تَوْبَةِ اللهِ عَلَى آدَمَ وَهِدَايَتِهِ وَاجْتِبَائِهِ - وَإِنَّمَا الْأَمْرُ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِنْسَانِ وَسَعْيِهِ، وَمِنْ رَحْمَةِ اللهِ - تَعَالَى - بِهِ أَنْ يَجْعَلَ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ الْوَحْيَ وَيُعْلِمَهُمْ طُرُقُ الْهِدَايَةِ، فَمَنْ سَلَكَهَا فَازَ وَسَعِدَ، وَمَنْ تَنَكَّبَهَا خَسِرَ وَشَقِيَ، هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِعَادَةِ ذِكْرِ الْهُبُوطِ لَا أَنَّهُ أُعِيدَ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا زَعَمُوا.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 1  صفحة : 236
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست