responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 5  صفحة : 252
عَظِيمٍ مِنْ آيَاتِ الْعُبُودِيَّةِ وَهُوَ الصَّوْمُ، مِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَنْوَارَ الصَّمَدِيَّةَ مُتَجَلِّيَةٌ أَبَدًا يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا الْإِخْفَاءُ وَالِاحْتِجَابُ إِلَّا أَنَّ الْعَلَائِقَ الْبَشَرِيَّةَ مَانِعَةٌ مِنْ ظُهُورِهَا فِي الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ وَالصَّوْمُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي إِزَالَةِ الْعَلَائِقِ الْبَشَرِيَّةِ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ أَرْبَابَ الْمُكَاشَفَاتِ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى التَّوَصُّلِ إِلَيْهَا إِلَّا بِالصَّوْمِ، وَلِهَذَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَوْلَا أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَحُومُونَ عَلَى قُلُوبِ بَنِي آدَمَ لَنَظَرُوا إِلَى مَلَكُوتِ السموات»
فَثَبَتَ أَنَّ بَيْنَ الصَّوْمِ وَبَيْنَ نُزُولِ الْقُرْآنِ مُنَاسِبَةٌ عَظِيمَةٌ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الشَّهْرُ مُخْتَصًّا بِنُزُولِ الْقُرْآنِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالصَّوْمِ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَسْرَارٌ كَثِيرَةٌ وَالْقَدْرُ الَّذِي أشرنا إليه كاف هاهنا، ثُمَّ هَاهُنَا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نزل صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشَرَ والقرآن لأربع وعشرين»
وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقُرْآنَ مَا نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دُفْعَةً، وَإِنَّمَا نَزَلَ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً مُنَجَّمًا مُبَعَّضًا، وَكَمَا نَزَلَ بَعْضُهُ فِي رَمَضَانَ نَزَلَ بَعْضُهُ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ، فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصُ إِنْزَالِهِ بِرَمَضَانَ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ جُمْلَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْأَرْضِ نُجُومًا، وَإِنَّمَا جَرَتِ الْحَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمَا عَلِمَهُ تَعَالَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ سَمَاءِ الدُّنْيَا مَصْلَحَةٌ فِي إِنْزَالِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ أَوْ كَانَ فِي الْمَعْلُومِ أَنَّ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي تَوَقُّعِ الْوَحْيِ مِنْ أَقْرَبِ الْجِهَاتِ، أَوْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ الْمَأْمُورُ بِإِنْزَالِهِ وَتَأْدِيَتِهِ، أَمَّا الْحِكْمَةُ فِي إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى الرَّسُولِ مُنَجَّمًا مُفَرَّقًا فَقَدْ شَرَحْنَاهَا فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ [الْفُرْقَانِ:
32] .
الْجَوَابُ الثَّانِي عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّهُ ابْتُدِئَ إِنْزَالُهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَبَادِئَ الْمِلَلِ وَالدُّوَلِ هِيَ الَّتِي يُؤَرَّخُ بِهَا لِكَوْنِهَا أَشْرَفَ الْأَوْقَاتِ وَلِأَنَّهَا أَيْضًا أَوْقَاتٌ مَضْبُوطَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى تحمل شيء من المجاز وهاهنا يُحْتَاجُ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مِنْ حَمْلِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَأَقْسَامِهِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [الْقَدْرِ: 1] وَبَيْنَ قَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدُّخَانِ: 3] .
وَالْجَوَابُ: رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ فِي رَمَضَانَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِذَا كَانَتْ فِي رَمَضَانَ كَانَ إِنْزَالُهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إنزالا له فِي رَمَضَانَ، وَهَذَا كَمَنْ يَقُولُ: لَقِيتُ فُلَانًا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَيُقَالُ لَهُ. فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْهُ فَيَقُولُ يَوْمَ كَذَا فَيَكُونُ ذَلِكَ تفسيرا للكلام الأول فكذا هاهنا.
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 5  صفحة : 252
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست