responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 5  صفحة : 185
الجزء الخامس
[تتمة سورة البقرة]
بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ التَّوْحِيدَ وَدَلَائِلَهُ، وَمَا لِلْمُوَحِّدِينَ مِنَ الثَّوَابِ وَأَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الشِّرْكِ وَمَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا، وَيَتَّبِعُ رؤساء الكفرة أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ إِنْعَامِهِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَأَنَّ مَعْصِيَةَ مَنْ عَصَاهُ وَكُفْرَ مَنْ كَفَرَ بِهِ لَمْ تُؤَثِّرْ فِي قَطْعِ إِحْسَانِهِ ونعمه عنهم، فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمُ السَّوَائِبَ وَالْوَصَائِلَ وَالْبَحَائِرَ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ ثَقِيفٍ وَبَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَخُزَاعَةَ وَبَنِي مُدْلِجٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَلَالُ الْمُبَاحُ الَّذِي انْحَلَّتْ عُقْدَةُ الْحَظْرِ عَنْهُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَلِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْعَقْدِ وَمِنْهُ: حَلَّ بِالْمَكَانِ إِذَا نَزَلَ بِهِ، لِأَنَّهُ حَلُّ شَدِّ الِارْتِحَالِ لِلنُّزُولِ وَحَلَّ الدَّيْنُ إِذَا وَجَبَ لِانْحِلَالِ الْعُقْدَةِ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وحل من إحرامه، لأنه حل عقيدة الْإِحْرَامِ، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ، أَيْ وَجَبَتْ لِانْحِلَالِ الْعُقْدَةِ بِالْمَانِعَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْحُلَّةُ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ، لِأَنَّهُ يُحَلُّ عَنِ الطَّيِّ لِلُّبْسِ، وَمِنْ هَذَا تَحِلَّةُ الْيَمِينِ، لِأَنَّهُ عُقْدَةُ الْيَمِينِ تَنْحَلُّ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَرَامَ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا لِخُبْثِهِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ، وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا لَا لِخُبْثِهِ، كَمِلْكِ الْغَيْرِ إِذَا لَمْ يَأْذَنْ فِي أَكْلِهِ فَالْحَلَالُ هُوَ الْخَالِي عَنِ الْقَيْدَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ حَلالًا طَيِّباً إِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهُ عَلَى الْحَالِ مِمَّا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الطَّيِّبُ فِي اللُّغَةِ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ وَالْحَلَالُ يُوصَفُ بِأَنَّهُ طَيِّبٌ، لِأَنَّ الْحَرَامَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ خَبِيثٌ قَالَ تَعَالَى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ [الْمَائِدَةِ: 100] وَالطَّيِّبُ فِي الْأَصْلِ هُوَ مَا يستلذ به ويسطاب وَوُصِفَ بِهِ الطَّاهِرُ وَالْحَلَالُ عَلَى جِهَةِ التَّشْبِيهِ، لِأَنَّ النَّجِسَ تَكْرَهُهُ النَّفْسُ فَلَا تَسْتَلِذُّهُ وَالْحَرَامُ غَيْرُ مُسْتَلَذٍّ، لِأَنَّ الشَّرْعَ يَزْجُرُ عَنْهُ وَفِي الْمُرَادِ بِالطَّيِّبِ فِي الْآيَةِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الْمُسْتَلَذُّ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْحَلَالِ لَزِمَ التَّكْرَارُ فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ طَيِّبًا إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُشْتَهَى لِأَنَّهُ إِنْ تَنَاوَلَ مَا لَا شَهْوَةَ لَهُ فِيهِ عَادَ حَرَامًا وَإِنْ كَانَ يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنَ الْعَاقِلِ إِلَّا عِنْدَ شُبْهَةٍ وَالثَّانِي: الْمُرَادُ مِنْهُ الْمُبَاحُ وَقَوْلُهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ فَإِنَّ قَوْلَهُ: حَلالًا الْمُرَادُ مِنْهُ مَا يَكُونُ جِنْسُهُ حَلَالًا وَقَوْلُهُ طَيِّباً الْمُرَادُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ فَإِنَّ أَكْلَ الْحَرَامِ وَإِنَّ اسْتِطَابَةَ الْآكِلِ فَمِنْ حَيْثُ يُفْضِي إِلَى الْعِقَابِ يَصِيرُ مَضَرَّةً وَلَا يَكُونُ مُسْتَطَابًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً [النساء: 10] .
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 5  صفحة : 185
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست