responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 27  صفحة : 596
السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
[الْوَاقِعَةِ: 10] فَكُلُّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ كَانَ مُقَرَّبًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَدَخَلَ/ تَحْتَ قَوْلِهِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ حُبِّ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُبِّ أَصْحَابِهِ، وَهَذَا الْمَنْصِبُ لَا يَسْلَمُ إِلَّا عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ حُبِّ الْعِتْرَةِ وَالصَّحَابَةِ، وَسَمِعْتُ بَعْضَ المذكرين قَالَ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَ فِيهَا نَجَا»
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ»
وَنَحْنُ الْآنَ فِي بَحْرِ التَّكْلِيفِ وَتَضْرِبُنَا أَمْوَاجُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَرَاكِبُ الْبَحْرِ يَحْتَاجُ إِلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: السَّفِينَةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الْعُيُوبِ وَالثَّقْبِ وَالثَّانِي: الْكَوَاكِبُ الظَّاهِرَةُ الطَّالِعَةُ النَّيِّرَةُ، فَإِذَا رَكِبَ تِلْكَ السَّفِينَةَ وَوَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى تِلْكَ الْكَوَاكِبِ الظَّاهِرَةِ كَانَ رَجَاءُ السَّلَامَةِ غَالِبًا، فَكَذَلِكَ رَكِبَ أَصْحَابُنَا أَهْلُ السُّنَّةِ سَفِينَةَ حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ وَوَضَعُوا أَبْصَارَهُمْ عَلَى نُجُومِ الصَّحَابَةِ فَرَجَوْا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفُوزُوا بِالسَّلَامَةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَلْنَرْجِعْ إِلَى التَّفْسِيرِ: أَوْرَدَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالًا فَقَالَ: هَلَّا قِيلَ إِلَّا مَوَدَّةَ الْقُرْبَى، أَوْ إِلَّا مَوَدَّةً لِلْقُرْبَى، وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى؟ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ جَعَلُوا مَكَانًا لِلْمَوَدَّةِ وَمَقَرًّا لَهَا كَقَوْلِهِ لِي فِي آلِ فُلَانٍ مَوَدَّةٌ وَلِي فِيهِمْ هَوًى وَحُبٌّ شَدِيدٌ، تُرِيدُ أُحِبُّهُمْ وَهُمْ مَكَانُ حُبِّي وَمَحِلُّهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً قِيلَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ فِي أَيِّ حَسَنَةٍ كَانَتْ، إِلَّا أَنَّهَا لَمَّا ذُكِرَتْ عَقِيبَ ذِكْرِ الْمَوَدَّةِ فِي الْقُرْبَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ التَّأْكِيدُ فِي تِلْكَ الْمَوَدَّةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ وَالشَّكُورُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَجَازٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يُحْسِنُ إِلَى الْمُطِيعِينَ فِي إِيصَالِ الثَّوَابِ إِلَيْهِمْ وَفِي أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ التَّفْضِيلِ.
وَقَالَ تَعَالَى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ إِنَّمَا ابْتُدِئَ فِي تَقْرِيرِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ إِنَّمَا حَصَلَ بِوَحْيِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
[الشُّورَى: 3] وَاتَّصَلَ الْكَلَامُ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَعْنَى وَتَعَلَّقَ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ حتى وصل إلى هاهنا، ثم حكى هاهنا شُبْهَةَ الْقَوْمِ وَهِيَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : أَمْ مُنْقَطِعَةٌ، وَمَعْنَى الْهَمْزَةِ نَفْسُ التَّوْبِيخِ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَيَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ وَيَجْرِي فِي أَلْسِنَتِهِمْ أَنْ يَنْسُبُوا مِثْلَهُ إِلَى الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الْفِرْيَةِ وَأَفْحَشُهَا، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ مُجَاهِدٌ يَرْبِطْ عَلَى قَلْبِكَ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ حَتَّى لَا يَشُقَّ عَلَيْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّهُ مُفْتَرٍ كَذَّابٌ وَالثَّانِي: يَعْنِي بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ إِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَجْعَلْكَ مِنَ الْمَخْتُومِ عَلَى قُلُوبِهِمْ حَتَّى يَفْتَرِيَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ عَلَى افْتِرَاءِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ الْمُبَالَغَةُ فِي تَقْرِيرِ الِاسْتِبْعَادِ، وَمِثَالُهُ أَنْ يَنْسُبَ رَجُلٌ بَعْضَ الْأُمَنَاءِ إِلَى الْخِيَانَةِ فَيَقُولُ/ الْأَمِينُ، لَعَلَّ اللَّهَ خَذَلَنِي لَعَلَّ اللَّهَ أَعْمَى قَلْبِي، وَهُوَ لَا يُرِيدُ إِثْبَاتَ الْخِذْلَانِ وَعَمَى الْقَلْبِ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ اسْتِبْعَادَ صُدُورِ الْخِيَانَةِ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ أَيْ وَمِنْ عَادَةِ اللَّهِ إِبْطَالُ الْبَاطِلِ وَتَقْرِيرُ الْحَقِّ فَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ مُبْطِلًا كَذَّابًا لَفَضَحَهُ اللَّهُ وَلَكَشَفَ عَنْ بَاطِلِهِ وَلَمَا أَيَّدَهُ بِالْقُوَّةِ وَالنُّصْرَةِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ
اسم الکتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 27  صفحة : 596
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست