responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 421
السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ» فَهَذَا الْمُنَافِقُ لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ وَإِهْلَاكَ الْحَرْثِ، وَهُوَ مَحَلُّ نَمَاءِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالنَّسْلِ، وَهُوَ نِتَاجُ الحيوانات اللذين لَا قِوَامَ لِلنَّاسِ إِلَّا بِهِمَا وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إذا سعي في الأرض إفسادا، مَنَعَ اللَّهُ الْقَطْرَ فَهَلَكَ الْحَرْثُ وَالنَّسْلُ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ أَيْ لَا يُحِبُّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَلَا مَنْ يَصْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ أَيْ إِذَا وُعِظَ هَذَا الْفَاجِرُ فِي مَقَالِهِ وَفِعَالِهِ، وَقِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَانْزَعْ عَنْ قَوْلِكَ وَفِعْلِكَ وَارْجِعْ إِلَى الْحَقِّ، امْتَنَعَ وَأَبَى وَأَخَذَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَالْغَضَبُ بِالْإِثْمِ، أَيْ بِسَبَبِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْآثَامِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا، قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الْحَجِّ: 72] وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ أَيْ هِيَ كَافِيَتُهُ عُقُوبَةً فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ لَمَّا أَخْبَرَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِصِفَاتِهِمُ الذَّمِيمَةِ، ذَكَرَ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ الْحَمِيدَةَ فَقَالَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ: نَزَلَتْ فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْهِجْرَةَ، مَنَعَهُ النَّاسُ أَنْ يُهَاجِرَ بِمَالِهِ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَجَرَّدَ مِنْهُ وَيُهَاجِرَ فَعَلَ، فَتَخَلَّصَ مِنْهُمْ وَأَعْطَاهُمْ مَالَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ، فَتَلَقَّاهُ عُمَرُ بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة وقالوا له: رَبِحَ الْبَيْعُ فَقَالَ: وَأَنْتُمْ فَلَا أَخْسَرَ اللَّهُ تجارتكم وما ذاك؟ فأخبره أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ، وَيُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال له «رَبِحَ الْبَيْعُ صُهَيْبُ» قَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُسْتَهْ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حدثنا جعفر بن سليمان الضبي، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ:
لَمَّا أَرَدْتُ الْهِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لِي قُرَيْشٌ يَا صُهَيْبُ قَدِمْتَ إِلَيْنَا، وَلَا مَالَ لَكَ وَتَخْرُجُ أَنْتَ وَمَالُكَ وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا، فَقُلْتُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ مَالِي تُخَلُّونَ عَنِّي؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِمْ مَالِي، فَخَلَّوْا عَنِّي، فَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «رَبِحَ صُهَيْبٌ رَبِحَ صُهَيْبٌ» مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَانْتَثَلَ [1] مَا فِي كِنَانَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُمْ رَجُلًا، وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَا تَصِلُونَ إلي حتى أرمي بكل سَهْمٍ فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبَ بِسَيْفِي مَا تبقى فِي يَدِي مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَقُنْيَتِي بِمَكَّةَ وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي، قَالُوا: نَعَمْ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «رَبِحَ الْبَيْعُ» قَالَ: وَنَزَلَتْ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ فَحَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا نزلت في كل مجاهد في

[1] استخرج ما فيها من السهام.
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 421
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست