responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 270
(قلت) والذي يَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، الْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ النَّصَارَى إِذَا مَنَعَتِ الْيَهُودَ الصَّلَاةَ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، كَأَنَّ دِينَهُمْ أَقْوَمُ مِنْ دِينِ الْيَهُودِ، وَكَانُوا أَقْرَبَ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرُ اللَّهِ مِنَ الْيَهُودِ مَقْبُولًا إِذْ ذَاكَ، لِأَنَّهُمْ لُعِنُوا مِنْ قَبْلُ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ تَعَالَى، لَمَّا وَجَّهَ الذَّمَّ فِي حَقِّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، شَرَعَ فِي ذَمِّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَخْرَجُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهِ مِنْ مَكَّةَ، وَمَنَعُوهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَمَّا اعْتِمَادُهُ عَلَى أَنَّ قُرَيْشًا لَمْ تَسْعَ فِي خَرَابِ الْكَعْبَةِ، فَأَيُّ خَرَابٍ أَعْظَمُ مِمَّا فَعَلُوا؟ أَخْرَجُوا عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَاسْتَحْوَذُوا عَلَيْهَا بِأَصْنَامِهِمْ وَأَنْدَادِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الْأَنْفَالِ:
34] ، وَقَالَ تَعَالَى: مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ. إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التَّوْبَةِ: 17- 18] وَقَالَ تَعَالَى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الْفَتْحِ: 25] فَقَالَ تَعَالَى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ [التَّوْبَةِ: 18] ، فَإِذَا كَانَ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ مَطْرُودًا مِنْهَا مَصْدُودًا عَنْهَا، فَأَيُّ خَرَابٍ لَهَا أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ؟ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عِمَارَتِهَا زَخْرَفَتَهَا وَإِقَامَةَ صُورَتِهَا فَقَطْ، إِنَّمَا عِمَارَتُهَا بِذِكْرِ اللَّهِ فِيهَا وَإِقَامَةِ شَرْعِهِ فِيهَا، وَرَفْعِهَا عَنِ الدَّنَسِ وَالشَّرَكِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الطَّلَبُ، أَيْ لَا تُمَكِّنُوا هَؤُلَاءِ إِذَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ دُخُولِهَا، إِلَّا تَحْتَ الْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ، وَلِهَذَا لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، أَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ أَنْ يُنَادَى بِرِحَابِ مِنًى: «أَلَّا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ أَجْلٌ فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ» ، وهذا إنما كَانَ تَصْدِيقًا وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا [التَّوْبَةِ: 28] ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ إِلَّا خَائِفِينَ، عَلَى حَالِ التَّهَيُّبِ وَارْتِعَادِ الْفَرَائِصِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْ يَبْطِشُوا بِهِمْ فَضْلًا أَنْ يَسْتَوْلُوا عَلَيْهَا وَيَمْنَعُوا المؤمنين منها، والمعنى: ما كان إلا الْحَقُّ وَالْوَاجِبُ إِلَّا ذَلِكَ، لَوْلَا ظُلْمُ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ إِنَّ هَذَا بِشَارَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ، أَنَّهُ سَيُظْهِرُهُمْ عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّهُ يُذِلُّ الْمُشْرِكِينَ لَهُمْ، حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَحَدٌ مِنْهُمْ، إِلَّا خَائِفًا يَخَافُ أَنْ يُؤْخَذَ فَيُعَاقَبَ أَوْ يُقْتَلَ، إِنْ لَمْ يُسْلِمْ. وَقَدْ أَنْجَزَ اللَّهُ هَذَا الْوَعْدَ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَنْعِ الْمُشْرِكِينَ

اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلميه المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 270
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست