responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامه المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 7
جَوَادٌ كَرِيمٌ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَحْسَنُ طُرُقِ التَّفْسِيرِ؟
فَالْجَوَابُ: إِنَّ أَصَحَّ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُفَسَّر الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ، فَمَا أُجْمِل فِي مَكَانٍ فَإِنَّهُ قَدْ فُسِّر فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَإِنْ أَعْيَاكَ ذَلِكَ فَعَلَيْكَ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ، بَلْ قَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِنَ الْقُرْآنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النِّسَاءِ: 105] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النَّحْلِ: 44] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النَّحْلِ: 64] .
وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ" [1] يَعْنِي: السُّنَّةَ. وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ، كَمَا يَنْزِلُ [2] الْقُرْآنُ؛ إِلَّا أَنَّهَا لَا تُتْلَى كَمَا يُتْلَى الْقُرْآنُ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ [3] وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ.
وَالْغَرَضُ أَنَّكَ تَطْلُبُ تفسيرَ الْقُرْآنِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ تجدْه فَمِنَ السُّنَّةِ، كَمَا قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "بِمَ تَحْكُمُ؟ ". قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ ". قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَ: "فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ ". قَالَ: أَجْتَهِدُ بِرَأْيِي. قَالَ: فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وفَّق رَسُولَ رسولِ اللَّهِ لِمَا يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ" [4] وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَسَانِدِ [5] وَالسُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ.
وَحِينَئِذٍ، إِذَا لَمْ نَجِدِ التَّفْسِيرَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، رَجَعْنَا فِي ذَلِكَ إِلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بِذَلِكَ، لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي اخْتُصُّوا بِهَا، وَلِمَا لَهُمْ مِنَ الْفَهْمِ التَّامِّ، وَالْعِلْمِ الصَّحِيحِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا سِيَّمَا عُلَمَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ، كَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [6] .
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ [7] حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ -: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا نَزَلَتْ آية من [8] كتاب الله إلا وأنا أعلم فِيمَنْ نَزَلَتْ؟ وَأَيْنَ نَزَلَتْ؟ وَلَوْ أَعْلَمُ مَكَانَ أحد أعلم

[1] رواه الإمام أحمد في المسند (4/ 131) وأبو داود في السنن برقم (4604) من حديث المقدام بن معدى كرب، رضي الله عنه.
[2] في ب: "كما ينزله عليه".
[3] في ب: "رحمة الله عليه".
[4] رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 230) وأبو داود في السنن برقم (3592) والترمذي في السنن برقم (1328) من طرق عن شعبة عن أبي عون عن الحارث بن عمرو عن ناس من أصحاب معاذ عن معاذ به، وقال الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل، وأبو عون الثقفي اسمه محمد بن عبيد الله". وللشيخ ناصر الألباني مبحث ماتع بين فيه كلام العلماء في نقد الحديث. انظر: السلسلة الضعيفة برقم (881) .
[5] في جـ: "المسانيد".
[6] في ب: "عنهم".
[7] في ب: "جرير الطبري".
[8] في ب: "في".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامه المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 7
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست