responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 328
الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، اتَّقُوا فَرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ. الْمُؤْمِنُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً [1] ، وَذَلِكَ الْفُرْقَانُ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الْإِحْسَانِ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَنَاسَبَ تَرَجِّي الْهِدَايَةِ إِثْرَ ذِكْرِ إِتْيَانِ مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ، لِأَنَّ الْكِتَابَ بِهِ تَحْصُلُ الْهِدَايَةُ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ [2] ، ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً [3] ، وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ [4] . وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ مِنْ ذِكْرِ الِامْتِنَانِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فُصُولًا مِنْهَا:
فَرْقُ الْبَحْرِ بِهِمْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِ صَارَ اثْنَيْ عَشَرَ مَسْلَكًا عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاطِ وَبَيْنَ كُلِّ سِبْطٍ حَاجِزٌ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الِازْدِحَامِ دُونَ أَنْ يَلْحَقَهُمْ فِي ذَلِكَ اسْتِيحَاشٌ، لِأَنَّهُ صَارَ فِي كُلِّ حَاجِزٍ كُوًى بِحَيْثُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى مَا نُقِلَ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ مُوسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ النِّعْمَةُ الثَّالِثَةُ، لِأَنَّ الْأُولَى هِيَ التَّفْضِيلُ، وَالثَّانِيَةَ هِيَ الْإِنْجَاءُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَالثَّالِثَةَ هِيَ هَذَا الْفَرْقُ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ إِنْجَائِهِمْ مِنَ الْغَرَقِ وَإِغْرَاقِ أَعْدَائِهِمْ وَهُمْ يَنْظُرُونَ بِحَيْثُ لَا يَشُكُّونَ فِي هَلَاكِهِمْ. ثُمَّ اسْتَطْرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى ذِكْرِ النِّعْمَةِ الرَّابِعَةِ، وَهِيَ الْعَفْوُ عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَذَكَرَ سَبَبَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ اتَّفَقَ ذَلِكَ لِغَيْبَةِ مُوسَى عَنْهُمْ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ، وَأَنَّهُمْ عَلَى قِصَرِ مُدَّةِ غَيْبَتِهِ انْخَدَعُوا بِمَا فَعَلَهُ السَّامِرِيُّ هَذَا، وَلَمْ يَطُلْ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ، وَخَلِيفَةُ مُوسَى فِيهِمْ أَخُوهُ هَارُونُ يَنْهَاهُمْ فَلَا يَنْتَهُونَ، وَمَعَ هَذِهِ الزَّلَّةِ الْعَظِيمَةِ عَفَا عَنْهُمْ وَتَابَ عَلَيْهِمْ، فَأَيُّ نِعْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ النِّعْمَةَ الْخَامِسَةَ، وَهِيَ ثَمَرَةُ الْوَعْدِ، وَهُوَ إِتْيَانُ مُوسَى التَّوْرَاةَ الَّتِي بِهَا هِدَايَتُهُمْ، وَفِيهَا مَصَالِحُ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ. وَجَاءَ تَرْتِيبُ هَذِهِ النِّعَمِ مُتَنَاسِقًا يَأْخُذُ بَعْضُهُ بِعُنُقِ بَعْضٍ، وَهُوَ تَرْتِيبٌ زَمَانِيٌّ، وَهُوَ أَحَدُ التَّرْتِيبَاتِ الخمس الَّتِي مَرَّ ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، لِأَنَّ التَّفْضِيلَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ، فَهُوَ أَوَّلٌ ثُمَّ وَقَعَتِ النِّعَمُ بَعْدَهُ، وَهِيَ أَفْعَالٌ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا. فَأَوَّلُهَا الْإِنْجَاءُ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ، ذَبْحِ الْأَبْنَاءِ وَاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ بِإِخْرَاجِ مُوسَى إِيَّاهُمْ مِنْ مِصْرَ، بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِفِرْعَوْنَ وَلَا لِقَوْمِهِ عَلَيْهِمْ تَسْلِيطٌ بَعْدَ هَذَا الْخُرُوجِ، وَالْإِنْجَاءِ، ثُمَّ فَرْقُ الْبَحْرِ بِهِمْ وَإِرَائِهِمْ عِيَانًا هَذَا الْخَارِقَ الْعَظِيمَ، ثُمَّ وَعْدُ اللَّهُ لِمُوسَى بِمُنَاجَاتِهِ وَذَهَابُهُ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ اتِّخَاذُهُمُ الْعِجْلَ، ثُمَّ الْعَفْوُ عَنْهُمْ، ثُمَّ إِيتَاءُ مُوسَى التَّوْرَاةَ. فَانْظُرْ إِلَى حُسْنِ هَذِهِ الْفُصُولِ الَّتِي انْتَظَمَتِ انْتِظَامَ الدُّرِّ فِي أَسْلَاكِهَا، وَالزَّهْرِ فِي أَفْلَاكِهَا، كُلُّ فَصْلٍ مِنْهَا قَدْ ختم

[1] سورة الأنفال: 8/ 29.
[2] سورة المائدة: 5/ 44.
[3] سورة البقرة: 2/ 2.
[4] سورة المائدة: 5/ 46.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 328
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست