responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 314
أَبْنَاءً بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا قَبْلُ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ. وَالنِّسَاءُ هُنَا: الْبَنَاتُ، وَسُمُّوا نِسَاءً بِاعْتِبَارٍ مَا يَؤُلْنَ إِلَيْهِ، أَوْ بِالِاسْمِ الَّذِي فِي وَقْتِهِ يُسْتَخْدَمْنَ وَيُمْتَهَنَّ، وَقِيلَ: أَرَادَ: النِّسَاءَ الْكِبَارَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ.
وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ: وَفُسِّرَ الِاسْتِحْيَاءُ بِالْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عِنْدَ كَلَامِنَا عَلَى الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: يَتْرُكُونَ بَنَاتَكُمْ أَحْيَاءً لِلْخِدْمَةِ، أَوْ يُفَتِّشُونَ أَرْحَامَ نِسَائِكُمْ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرُهُ أَنَّ آلَ فِرْعَوْنَ هُمُ الْمُبَاشِرُونَ لِذَلِكَ، ذُكِرَ أَنَّهُ وَكَّلَ بِكُلِّ عَشْرِ نِسَاءٍ رَجُلًا يَحْفَظُ مَنْ تَحْمِلُ مِنْهُنَّ. وَقِيلَ: وَكَّلَ بِذَلِكَ الْقَوَابِلَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ هُنَا مِنَ الْحَيَاءِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْقِحَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ النِّسَاءَ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْهُ الْحَيَاءُ، وَقُدِّمَ الذَّبْحُ عَلَى الِاسْتِحْيَاءِ لِأَنَّهُ أَصْعَبُ الْأُمُورِ وَأَشَقُّهَا، وَهُوَ أَنْ يُذْبَحَ وَلَدُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ اللَّذَيْنِ كَانَا يَرْجُوَانِ النَّسْلَ مِنْهُ، وَالذَّبْحُ أَشَقُّ الْآلَامِ. وَاسْتِحْيَاءُ النِّسَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَيْسَ بِعَذَابٍ، لَكِنَّهُ يَقَعُ الْعَذَابُ بِسَبَبِهِ مِنْ جِهَةِ إِبْقَائِهِنَّ خَدَمًا وَإِذَاقَتِهِنَّ حَسْرَةَ ذَبْحِ الْأَبْنَاءِ، إِنْ أُرِيدَ بِالنِّسَاءِ الْكِبَارُ، أَوْ ذَبْحُ الْإِخْوَةِ، إِنْ أُرِيدَ الْأَطْفَالُ، وَتَعَلُّقُ الْعَارِ بِهِنَّ، إِذْ يَبْقَيْنَ نِسَاءً بِلَا رِجَالٍ فَيَصِرْنَ مُفْتَرَشَاتٍ لِأَعْدَائِهِنَّ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْمُبَاشِرَ لَهُ شَرِيكَانِ فِي الْقِصَاصِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ، وَهُوَ الْآمِرُ، وَآلَهُ وَهُمُ الْمُبَاشِرُونَ. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يُبْحَثُ فِيهَا فِي عِلْمِ الْفِقْهِ، وَفِيهَا خِلَافٌ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى ذَبْحِ الْأَبْنَاءِ وَاسْتِحْيَاءِ النِّسَاءِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ الدَّالُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ [1] ، وَهُوَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبَلَاءِ: الشِّدَّةُ وَالْمَكْرُوهُ. وَقِيلَ: يَعُودُ إِلَى مَعْنَى الْجُمْلَةِ مِنْ قَوْلِهِ يَسُومُونَكُمْ مَعَ مَا بَعْدَهُ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْبَلَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى التَّنْجِيَةِ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: نَجَّيْنَاكُمْ، فَيَكُونُ الْبَلَاءُ هُنَا: النِّعْمَةُ وَيَكُونُ ذَلِكُمْ قَدْ أُشِيرَ بِهِ إِلَى أَبْعَدِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَالْمُتَبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ وَالْأَقْرَبُ فِي الذِّكْرِ هو الْقَوْلُ الْأَوَّلُ.
وَفِي قَوْلِهِ: مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقُهُمَا. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى النَّصَارَى وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ وَالشَّرَّ مِنَ الشَّيْطَانِ وَوَصْفُهُ بِعَظِيمٍ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ ذَلِكُمْ إِشَارَةً إِلَى التَّنْجِيَةِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَلَا يَخْفَى مَا في ذلك

[1] سورة الشورى: 42/ 43.
اسم الکتاب : البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 1  صفحة : 314
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست