responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نسيم الصبا المؤلف : ابن حبيب الحلبي    الجزء : 1  صفحة : 35
واعلم بأن الشيء يرخص كثرةً ... والعقل إن كثرت حواصله غلا
من رضي بالقدر، وقي شر الحذر، اليأس يعز الأصاغر، والطمع يذل الأكابر، حاسب نفسك تسلم، ولا تقتحم الأخطار تندم. من سره الفساد في الأرض ساءه طول التعب يوم العرض. لا تقل إلا ما يطيب عنك نشره، ولا تفعل إلا ما يسطر لك أجره. السعيد من اتعظ بماضي أمسه، والشقي من ضن بخبره على نفسه. لا تغرنك صحة بدنك اليسيرة، فمدة العمر - وإن طالت - قصيرة. من لم يعتبر بالمساء والصباح، لم يرتدع بقول اللوام والنصاح. من قنع برزقه استغنى، ومن صبر نال ما يتمنى.
إذا الرزق عنك نأى فاصطبر ... ومنه اقتنع بالذي قد حصل
ولا تتعب النفس في جلبه ... فإن كان ثم نصيب وصل
من أنس بالآخرة، فاز بالملابس الفاخرة. ومن رفع حاجته إلى الله نجحت، ومن تمسك بغيره خسرت تجارته وما ربحت. من لم تفسد شهوته دينه، وصل إلى الأماكن المكنية. أبصر الناس من نظر إلى عيوبه، ولجأ إلى ربه في التجاوز عن ذنوبه. أرفع الأعمال ما أوجب شكراً، وأنفع الأموال ما أعقب أجراً. الدنيا ظل زائل، والشيبة ضيف راحل. من غالب الحق غلب، ومن استهان بالدين سلب. لا تخل نفسك من فكرة، تدني من طرفك وقلبك قراراً وقرة. عد عن طاعة هواك، واحذر من مخالفة مولاك:
لا تتابع هواك ياذا المعاصي ... واجتنب ذلة الهوى والهوان
أحمق الناس من أطاع هواه ... وتمنى على الإله الأماني
من وثق بالله أغناه، ومن خرج عن حكمه عناه. من لزم شأنه دامت سلامته، ومن حفظ لسانه قلت ندامته. الصمت يرفع لك المنار، ويخلع عليك ثوب الوقار. الزمان لا يبقي على حال، والدنيا طبعها الغدر والملال، تفتن بزهرتها الذاوية، وتخدع بزينتها المتلاشية. لا تفن عمرك في المعاصي، وخذ حذرك من مالك النواصي. إياك وكثرة الكلام، فإنها تنفر عنك الكرام. ما سعد من شقي صاحبه، وما عزت من ذلت أقاربه. من لزم شكر الإحسان استدام عدم الحرمان. لا تودع سرك غير صدرك، ولا تتكلم بما يحوجك إلى إقامة عذرك:
تفرد بحفظ السر وحدك لا تثق ... إلى أحد فيه ولو كان من كانا
فإنك أن أودعت سرك عاقلاً ... يزل وإن أودعته جاهلاً خانا
من بسط يده بالجود، خرج من العدم إلى الوجود. من علا علم شيمته، غلا مقدار قيمته، استر براً يظهر من يديك، وانشر معروفاً يسدى إليك. من أحسن إلى جاره أطلع قمر الحمد في داره دارة، ومن جاد لطلب الجزاء فليس بكريم، ومن صفح لعدم القدرة فليس بحليم. أحسن الخلق ما حثك على المكارم، وأوضع الطرق ما كفك عن المحارم. عي تسلم بميلك إليه، خير من نطق تندم عليه. من قل عقله كثر قوله، ومن زكا أصله تواتر طوله. توق جناية اللسان، ولا تأمن من سطوات الزمان، واستعذ من شر أفعى أفعالك، وتحل بالصدق في جميع أحوالك.
الصدق يورث قائليه مهابة ... سر نحوه نعم الطريق طريقه
واحفظ به عهد الصحاب فإنه ... من قل منه الصدق قل صديقه
لا تعج عن سبيل الصواب، ولذ بجناب رب الأرباب، واسع إلى باب من بيده الملك وهو على كل شيء قدير، واخش من يعلم السر وأخفى، " إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير "

الفصل الثلاثون:
في المواعظ
أعلمني من أثق بنقله، ولا أشك في معرفته وفضله، بقدوم بليغ من الوعاظ، يبرز دقائق المعاني في جليل الألفاظ. وأشار بحضور مجلسه، والاهتداء بضوء قبسه، فقبلت الإشارة، وانتظمت في سلك السيارة. حتى أفضينا إلى ناد فسيح، لسان مناديه فصيح، قد جمع بين الغني والفقير، واشتمل على المأمور والأمير. وإذا بشيخ قائم في بهرة حلقته، يفتن بسحر الكلام قلوب فرقته. فسمعته يقول: أيها الناس، ما الموت بساه ولا ناس، فتأهبوا لحلوله، واستعدوا له قبل نزوله، وحصلوا الراحلة والزاد، وردوا العاصي إلى الطريق فقد زاد، ولا تعدلوا عن محجة الحجا، واتقوا دعوة المظلوم في ظلام الدجا، وامنوا بالقدر خيره وشره، وارضوا بالقضاء حلوه ومره، وأفرغوا ذنوب الذنوب وافزعوا إلى علام الغيوب، وامنعوا من الأمل ما كان جموحا، وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً:
وتجنبوا سبق الخطا فلكم هوى ... رب الهوى من حصنه وعقابه
اسم الکتاب : نسيم الصبا المؤلف : ابن حبيب الحلبي    الجزء : 1  صفحة : 35
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست