responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نسيم الصبا المؤلف : ابن حبيب الحلبي    الجزء : 1  صفحة : 2
فقلت أهلاً بالجارية، التي في طلعتها ما يغني عن الجارية، والعين التي تغار منها العين، والجونة التي وضح منها الجبين، والسراج الوهاج التي تبرجت بها الأبراج، أنت المخصوصة بالشرف والرفعة، أنت واسطة عقد الكواكب السبعة، أنت للحكمة برهان، وللفلك معيار وميزان، أنت الناطقة في صمتها، التي قصر البليغ عن وصفها ونعتها، أنت ملك مقدم، أنت النير الأعظم، أنت يوح التي تغدو في مصالح العالم وتروح، أنت ذكاء التي ذكت نارها، أنت الضحى التي علا منارها، أنت الشمس، التي بها تعرف الأوقات الخمس، بك ينشر الظل ويطوى، ويشتد النبات بعد ضعفه ويقوى، ويستدل على طريق الصواب، ويعلم عدد السنين والحساب، لما سفرت رافلة في الحلل المعصفرة، حيت آية الليل وجعلت آية النهار مبصرة، وناهيك بها منزلة، وحسبك أن صفاتك في الكتاب منزلة، ثم تمشت على بساطها وخطرت في وشيها ورياطها، وسبحت في فلكها مرشدة إلى الحقائق، مظهرة أسرار الساعات والدرج والدقائق.
تسمو إلى كبد السماء كأنها ... تبغي هناك دفاع أمر معضل
واستمرت سائرة يحدوها مر النسيم " والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ".
فلم يزل فكري يصاحبها، وطرفي يرعاها ويراقبها:
حتى إذا بلغت إلى حيث انتهت ... وقفت كوقفة سائلٍ عن منزل
ثم انثنت تبغي الخدورَ كأنها ... طيرٌ هفا لمخافة من أجدل
فلما حجبت عن العيون شخصها، وخطف المغرب من يد المشرق قرصها، واكتحلت جفون الأفق بالنار، وطرد زنجي الليل رومي النهار، بزغ الهلال، بأمر ذي الجلال، كأنه قوس موتور، أو زورق منحدر في بحر الدَيجور، أو شطرُ سِوار، أو منجلٌ معدّ لحصاد الأعمار، أو خنجر مرهفُ النصلَين، أو نونٌ مرسومة الشأفة: الأصل من لُجين، شفة كأس مائلة، أو مخلب عقاب صائلة، أو قطعة من قيد، أو فخ نصب للصيد، أو حرف جيم، أو عرجون قديم، أو حاجب شيخ أدركه الشمط، أو نعل من حافر أدهم الدجا سقط، أو ذباب سيف خرج من جفنه، أو راكع يعبد من لا يحدث أمر إلا بإذنه. وفي معناه من قصيدة
وترى الهلال يلوح في أفق السما ... يبدو كقوس بالمنى يرميني
أو شبه فخ أو كدملج غادة ... وكجانب المراّة العرجون
وجبين حب بالعمامة قد زها ... وكوجه خود بالنقاب مصون
وكتاب فيل أو قلامة أنمل ... وكزورق وكحاجب مقرون
أو كالسوار أزيل منه البعض أو ... قربوس سرج مذهب أو نون
وكشأفة الكأس المخبأ بعضه ... ضمن الشفاه ومنجل مسنون
هو منجل الأعمار للحصد الذي ... يُفني أولي التزيين والتحسين
وإذا مضى سبع تراه كأنه ... نصف لتعويذ بدا لعيون
وإذا تكامل صار جاماً صافيا ... كأنه من لؤلؤ مكنون
أو غادة قد أسفرت عن وجهها ... غنيت عن التحسين والتزيين
هذا هو المشهور في تشبيهه ... قدماً وذلك جمعه يكفيني
فقلت: مرحباً بمن ثياب مناوئه رثاث قر عيناً ستعود قمراً بعد ثلاث. ثم تصير بدراً، إن في ذلك لذكرى:
وإذا رأيت من الهلال نموه ... أيقنت أن سيكون بدراً كاملاً
أنت الزمهرير الذي ليس له في نضارته نظير، أنت الزبرقان الذي له في كل شهر مهرجان. أيها القمر كم محب طاب له فيك السمر، أيها الواضح الباهر، ما أنت إلا مثل سائر، أيها البدر الكامل، الذي فضله للبرية شامل، لا تأس على ما فاتك من الدرج، ولا يكن في صدرك من الغزالة حرج:
فقد تخمد الشمس الصباح بضوئها ... تفاوتت الأنوار والكل رائق
منازلك معروفة، ومحاسنك موصوفة، وشرفك باذخ، وقدمك راسخ، وآياتك ظاهرة، وسفارتك سافرة، وكم أوضحت من طريق، وهديت الرفيق إلى الفريق، وذكرت محبوباً لمحبوبه، وبلغت طالباً غاية مطلوبه، أحسن بضوء ذبالتك وحسبي مثالاً بهالتك، جعلك الباري في السموات نورا، وكان أمر الله قدرا مقدورا. فسبحان من جلا بمحياك حندس الغسق، وأقسم بك في قوله: " والقمر إذا اتسق "، قدرك أثيث أثيل، ومحبك نبيه نبيل، ووجهك يابثينة الحسن جميل:
اسم الکتاب : نسيم الصبا المؤلف : ابن حبيب الحلبي    الجزء : 1  صفحة : 2
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست