responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : نثر الدر في المحاضرات المؤلف : أبو سعد الآبي    الجزء : 1  صفحة : 318
قَالَ الجاحظ: لما أَتَى عبد الْملك بن صَالح وَفد الرّوم وَهُوَ فِي الْبِلَاد أَقَامَ على رَأسه رجَالًا فِي السماطين لَهُم قصر وهامٌ، ومناكب وأجسامٌ، وشوارب وشعورٌ، فَبَيْنَمَا هم قيامٌ يكلمونه، وَوجه رجلٍ مِنْهُم فِي قفا البطريق إِذْ عطس عطسة ضئيبةً فلحظه عبد الْملك فقلم يدر أَي شَيْء أنكر عَلَيْهِ، فَلم خرج الْوَفْد قَالَ لَهُ: وَيلك. هلا إِذْ كنت ضيق المنخركز الخيشوم اتبعتها بصيحةٍ تخلع بهَا قلب العلج. وَقَالَ: مَا النَّاس إِلَى شَيْء أحْوج مِنْهُم إِلَى إِقَامَة ألسنتهم الَّتِي بهَا يَتَعَارَفُونَ الْكَلَام، ويتعاطون الْبَيَان، ويتهادون الحكم، ويستخرجون غوامض الْعلم من مخابئها، ويجمعون مِنْهَا. إِن الْكَلَام فاضٍ يحكم بَين الْخُصُوم، وضياءٌ يجلو الظُّلم حَاجَة النَّاس إِلَى مواده كحاجتهم إِلَى مواد الإغذية. وَقَالَ الجاحظ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن السندى، قَالَ: سَمِعت عبد الْملك يَقُول بعد إِخْرَاج المخلوع لَهُ من حبس الرشيد - وَذكر ظلم الرشيد لَهُ، وإقدامه عَلَيْهِ. وَكَانَ يأنس بِهِ، ويشق بمودته وعقله. وَالله إِن الْملك لشيءٌ مَا نويته وَلَا تمنيته وَلَا تصديت إِلَيْهِ وَلَا تَبعته. وَلَو أردته لَكَانَ أسْرع إِلَى من السَّيْل إِلَى الحدور، وَمن النَّار فِي يَابِس العرفج وَإِنِّي لمأخوذٌ بِمَا لم أجن، ومسئولٌ عَمَّا لَا أعرف، وَلَكِن حِين رَآنِي للْملك أَهلا، وَرَأى للخلافة خطراً وَثمنا، وَرَأى أَن لي يدا تنالها إِذا مدت وتبلغها إِذا بسطت، ونفسا تكمل لَهَا بخصالها وتسحقها بخلالها، وَإِن كنت لم أختر تِلْكَ الْخِصَال، وَلَا اصطنعت تِلْكَ الْخلال، وَلم ارشح لَهَا فِي سر، وَلَا أَشرت إِلَيْهَا فِي جهر، وَرَآهَا تحن إِلَى حنين الواله، وتميل نحوي ميل الهلوك. وَخَافَ أَن ترغب إِلَيّ خيرٍ مرغب. وتنزع إِلَى أحصن منزع، عاقبني عِقَاب من قد سهر فِي طلبَهَا، وَنصب فِي التماسها وتقدر لَهَا بِجهْدِهِ، ونهيأ لَهَا بِكُل حيله. فَإِن كَانَ إِنَّمَا حَبَسَنِي على أَنِّي أصلح لَهَا لي، وأليق بهَا وتليق بِي، فَلَيْسَ ذَلِك بذنبٍ فأتوب مِنْهُ، وَلَا تطاولت لَهُ فأحط نَفسِي عَنهُ. فَإِن زعم أَنه لَا صرف لعقابه، وَلَا نجاة من أعطايه إِلَّا بِأَن أخرج لَهُ من الْحلم وَالْعلم، وَمن الحزم والعزم، فَكَمَا لَا ستطيع المضياع أَن
اسم الکتاب : نثر الدر في المحاضرات المؤلف : أبو سعد الآبي    الجزء : 1  صفحة : 318
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست