اسم الکتاب : محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 2 صفحة : 511
و قال آخر:
و إنّك لا تدري بأية بلدة # تموت و لا عن أي شقّيك تصرع [1]
تسوية الموت بين الأفاضل و الأراذل
قال مالك بن دينار: قدم علينا بشر بن مروان أخو الخليفة فطعن في قدمه فمات، فأخرجناه إلى القبر فلما صرنا إلى الجبان، إذا نحن بسودان يحملون صاحبا لهم إلى القبر فدفناه و دفنوا صاحبهم، فعدت قبل الأسبوع فلم أعرف قبر الأسود من قبره، و على هذا قول الشاعر:
و لقد مررت على القبور فما # ميّزت بين العبد و المولى
و قال المتنبّي:
و صلت إليك يد سواء عندها الـ # بازي الأشيهب و الغراب الأبقع [2]
و يروى أن الإسكندر مرّ بمدينة قد ملكها غيره من الملوك فقال: انظروا هل بقي بها أحد من نسل ملوكها؟فقالوا: رجل يسكن المقابر، فأحضره و سأله عن إقامته، فقال:
أردت أن أميز عظام الملوك من عظام عبيدهم فوجدتها سواء. فقال: هل تتبعني فأحيي شرفك إن كان لك همة، فقال: همّتي عظيمة إن أنلتنيها، فقال: ما هي؟قال: حياة لا موت معها، و شباب لا هرم معه، و غنى لا فقر معه، و سرور لا مكروه فيه. فقال ليس عندي هذا، فقال: دعني ألتمسه ممّن هو عنده، فقال: ما رأيت مثله حكيما.
و أمر بشر بن الوليد أن يكتب على قبره:
من مات فات و في المقابر يستوي # تحت التراب شريفه و وضيعه
و قال صالح بن عبد القدوس:
فيا منزلا سوّى البلى بين أهله # فلم يستبن فيه الملوك من السّوقي [3]
انقضاء ناس بعد ناس و رجوعهم إلى الموت
قال أمير المؤمنين كرم اللّه وجهه: إن للّه في كل يوم ثلاث عساكر، عسكر ينزل من الأصلاب إلى الأرحام، و عسكر ينزل من الأرحام إلى الأرض، و عسكر ينتقل من الدنيا إلى الآخرة. و قال شاعر:
و ما نحن إلا رفقة غير أنّنا # أقمنا قليلا بعدهم و نروح