responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : ما لم ينشر من الأمالي الشجريه المؤلف : ابن الشجري    الجزء : 1  صفحة : 33
والشيب أوقر والشبيبة أنزق
وقوله:

وفي التجارب بعد الغي ما يزع
يزع يكفّ الغاوي عن غيِّه.
وجاء بمثل في ثلث بيت وهو قوله:

.......... ومن للعورِ بالحولِ
ليس شيء مما ذكرته من هذه الآداب البارعة والأمثال السائرة الرائعة إلا قد فاوضت فيه شيوخ العلم فأبدوا فيه وأعادوا واستحسنوا واستجادوا، وإنما ذكرت لك طرفاً من عيون كلمه وبعضاً من فنون حكمه لأنبهك على جلالة قدره وأعرفك أنه في الشعر نسيج وحده وقريع عصره، ومن صغر شأنه فقد أبان عن نقص في نفسه كثير، وما أحسن قول النابغة: أي الرجال المهذب. والفاضل من عدت سقطاته، والإساءة في البيت الفذِّ مغفورة بإضافتها إلى ألف حسنة، كما قيل:

وإذا الحبيب أتى بذنبٍ واحدٍ ... جاءت محاسنه بألف شفيع
وبعد هذا من الذي سلم في شعره من الشعراء المتقدمين ولو اقتصصت لك سقطات بشار وأبي نواس وأبي تمام والبحتري وغيرهم من الفحول المبرزين المتقدمين والمتأخرين لاستحسنت من شعر أبي الطيب ما استقبحته واستجدت ما استرذلته على أنه لم يرتكب لفظة مستهجنة إلا وليس له عنها مندوحة، ولست تقدر أن توجدني أمثالاً عدد أمثاله في شعر واحد من نظرائه وأمثاله بل لا تجد ذلك لمجيدين أو ثلاثة مكثرين من المتقدمين والمتأخرين. وما أحسن قوله:

فجازوا بترك الذم إن لم يكن حمد
وأسخف شعره القصيدة التي أولها:

ما أنصفَ القوم ضبَّه
ومنها:

إن أوحشتك المعالي ... فإنها دار غربه
أو آنستك المخازي ... فإنها بك أشبه
وكل من خطأه في معنى أو كلمة لغوية فهو مخطىءٌ في تخطئته فممن خطأه في كلمة لغوية أبو زكريا فقال في قوله:

قد كنت تهزأ بالفراق مجانةً
الناس يستعملون المجانة في معنى الهزء بالشيء والتهاون به، يقولون: فلان ماجن إذا كان مسرفاً في اللهو والقل لما لم يكن فأما أهل اللغة فيقولون: مجن إذا مرن على الشيء. انتهى كلامه. والذي قاله غير صحيح بدلالة أن المجانة قد وردت في الشعر القديم على ما ذهب إليه المتنبي وذلك في قول يزيد بن مفرغ الحميري يهجو عباد ابن زياد بن أبيه:

شجاع في المجانة والمخازي ... جبان عند محتضر المصاع
قال أبو الحسين بن فارس في المجمل: المجون أن لا يبالي الإنسان بما صنع. فهذا دفع لما قاله أبو زكريا من جهة شعر العرب، ومن جهة قول أهل اللغة.
وقال المتنبي يصف جيشاً في أرض قطعها ويخاطب الممدوح:

جيشٌ كأنك في أرضٍ تطاوله ... والأرض لا أممٌ والجيش لا أمم
يقول: بعدت الأرض وطالت فكأنها تطاول جيشك البعيد أطرافه. والأمم بين القريب والبعيد، ثم فسر هذا بقوله:

إذا مضى علمٌ منها بدا علمٌ ... وإن مضى علمٌ منه بدا علم
أراد بالعلم من الأرض الجبل، وبالعلم من الجيش الراية، ويقول: فلا الجبال تغنى ولا أعلام الجيش. قال أبو زكريا: ول قال وإن مضى عالم منه لكان أحسن في حكم الشعر لأن تكرير العلم في البيت كثر، وقوله وإن مضى عالم، يقلل من تردد العلم ويدل على كثرة الجيش. انتهى كلامه. وأقول: إن المتنبي لو قال ما ذهب إليه أبو زكريا فاستعمل العالم في موضع العلم كان قبيحاً في صناعة الشعر لأنه قد أتى بذكر العلم الذي هو الجبل مرتين فوجب أن يقابله بذكر العلم الذي هو الراية مرتين. وأما قوله: إنه لو قال مضى عالم، دل على كثرة. وكذلك ذكر العلم يدل على كثرة الجيش لأن العلم يكون تحته أمير معه عالم. فأما كراهيته لتكرير العلم، فقول من جهل ما في التكرير من التوكيد والتبيين إذا تعلق التكرير بعضه بحرف عطف أو بحرف شرط أو بغير ذلك من ذلك المعلقات، كما جاء في التنزيل: (وإنَّ منهمْ لفريقاً يلونَ ألسنتهم بالكتابِ لتحسبوهُ منَ الكتابِ وما هوَ منَ الكتابِ ويقولنَ هوَ منْ عندِ اللهِ) ، ومثله: (فاستمتعواْ بخلاقهمْ فاستمتعتم ْ بخلاقكمْ كما استمتعَ الَّذينَ من قبلكم بخلاقهمْ) . فالتكرير في هذا النحو حسن مقبول، وإذا جاء هذا في القرآن علمت أن التكرير في بيت أبي الطيب غير معيب، وإنما يعاب التكرير إذا ورد اللفظ في بيتين أو ثلاثة والمعنى واحد. ووهم أبو زكريا في بيت لأبي نواس حمل عليه بيتاً لأبي الطيب، وذلك قول أبي الطيب:

يا من لجود يديه في أمواله ... نقمٌ تعود على اليتامى أنعما
اسم الکتاب : ما لم ينشر من الأمالي الشجريه المؤلف : ابن الشجري    الجزء : 1  صفحة : 33
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست