responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 6
على ما أحس من مواضع الجمال والقبح، ووقع اختياري على بعض من قصائد وكتابات لأدباء المهجر، وأحسست في أدبهم من الصدق والألفة ما وقع في نفسي موقع الأسرار التي يتهامس بها الناس، وأكبر الظن أن الكذب في التهامس أقل بكثير منه في الجهر، ولربما كانت هذه الحقيقة النفسية هي السبب الأول في تسميتي لهذا الأدب بالمهموس. ولقد تساءل نفر من الأدباء عن سر إعجابي بهذا الأدب وافترضوا الفروض التي قد يقبل الذوق الأخلاقي السليم بعضها، بينما يأبى البعض الآخر. ولقد سجلت بعضا من أصداء هذه المناقشات في ذلك الجزء من الكتاب؛ وذلك لما نفثت فيها من حرارة الإيمان، ثم لأنها تتمم آرائي وتوضحها بما تعالج من مسائل عامة.
وفي أثناء دراستي لتلك النصوص التي تحدثت عنها وعن غيرها مما تناولت -بحكم عملي في الجامعة كمدرس للآداب- أخذ يتكون في نفسي منهج عام للنقد، ولقد ركزت هذا المنهج في جزأين من هذا الكتاب يجدهما القارئ في الفهرست تحت عنواني: مناهج النقد -تطبيقها على أبي العلاء المعرفة والنقد- المنهج الفقهي، وباستطاعة القارئ أن يلاحظ أنه منهج ذوقي تأثري وذلك على تحديد لمعاني تلك الألفاظ. فالذوق ليس معناه النزوات التحكمية، وجانب كبير منه -كما وضحت في مقالي عن الأدب ومناهج النقد- ما هو إلا رواسب عقلية وشعورية نستطيع إبرازها إلى الضوء وتعليلها، وبذلك يصبح الذوق وسيلة مشروعة من وسائل المعرفة التي تصح لدى الغير، وإن كنت لا أنكر أنه سبقني إلى تقرير ذلك كبار نقاد العرب أنفسهم كالآمدي والجرجاني على نحو ما يرى القارئ في مقالاتي عن المعرفة والنقد، ثم إنني وإن كنت أومن بأنه ليست هناك معرفة تغني عن الذوق التأثري إلا أنني مع ذلك أحرص على أن يكون الذوق مستنيرا وفي هذا المجال -مجال الاستنارة- أميز بين نوعين من المعرفة. فهناك المعرفة الأدبية اللغوية وهذه هي الأساس، فقراءة مؤلفات كبار الشعراء والكُتَّاب هي السبيل إلى تكوين ملكة الأدب في النفوس، وليست هناك سبيل غيرها، وذلك على أن تكون قراءة درس وفهم وتذوق، وأما ما دون ذلك من أنواع المعرفة كالدراسات النفسية والاجتماعية والأخلاقية والتاريخية وما إليها، فهي وإن كانت عظيمة الفائدة في تثقيف الأديب ثقافة عامة وتوسيع آفاقه، إلا أنني لا أريد أن تطغى على دراستنا للأدب كفن لغوي، وأنا مؤمن بأنه من الواجب أن يستقل الأدب بمنهجه عن غيره من العلوم، وأنه
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 6
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست