responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري    الجزء : 1  صفحة : 500

و للأسد و الذئب في الصبر على الجوع ما ليس لغيرهما من الحيوان، لكن الأسد شديد النهم حريص رغيب شره، و هو مع ذلك يحتمل أن يبقى أياما لا يأكل شيئا و الذئب و إن كان أقفر منزلا، و أقل خصبا و أكثر كدا، إذا لم يجد شيئا اكتفى بالنسيم، فيقتات به و جوفه يذيب العظم المصمت، و لا يذيب نوى التمر، و لا يوجد الالتحام عند السفاد إلا في الكلب و الذئب. و متى التحم الذئب و الذئبة، و هجم عليهما هاجم قتلهما كيف شاء، إلا أنهما لا يكادان يوجدان كذلك، لأنهما إذا أرادا السفاد توخيا موضعا لا يطؤه الإنس، خوفا على أنفسهما و يسفد مضطجعا على الأرض، و هو موصوف بالانفراد و الوحدة، و إذا أراد العدو فإنما هو الوثب و القفز، و لا يعود إلى فريسة شبع منها أبدا. و من عجيب امره أنه ينام بإحدى مقلتيه و الأخرى يقظى حتى تكتفي العين النائمة من النوم، فيفتحها و ينام بالأخرى ليحترس باليقظى و يستريح بالنائمة قال حميد [1] بن ثور في وصفه، في أبيات مشهورة منها:

و نمت كنوم الذئب في ذي حفيظة # أكلت طعاما دونه و هو جائع‌ [2]

ينام بإحدى مقلتيه و يتقي # بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع‌

و هو أكثر الحيوان عواء إذا كان مرسلا فإذا أخذ و ضرب بالعصي و السيوف حتى يتقطع أو يهشم لم يسمع له صوت إلى أن يموت. و فيه من قوّة حاسة الشم، أنه يدرك المشموم من فرسخ.

و أكثر ما يتعرض للغنم في الصبح و إنما يتوقع فترة الكلب و نومه و كلاله، لأنه يظل طول ليله حارسا متيقظا. و من غريب أمره أنه إذا اجتمع جلده مع جلد شاة تمغط جلد الشاة، و أنه متى وطئ ورق العنصل مات من ساعته. و الذئب إذا كده الجوع عوى فتجتمع له الذئاب، و يقف بعضها إلى بعض.

فمن ولى منها وثب إليه الباقون و أكلوه، و إذا عرض للإنسان، و خاف العجز عنه، عوى عواء استغاثة فتسمعه الذئاب، فتقبل على الإنسان اقبالا واحدا، و هم سواء في الحرص على أكله، فإن أدمى الإنسان واحدا منها، وثب الباقون على المدمى فمزقوه، و تركوا الإنسان. و قال بعض الشعراء يعاتب صديقا له و كان قد أعان عليه في أمر نزل به:

و كنت كذئب السّوء لما رأى دما # بصاحبه يوما أحال على الدم‌ [3]

روى البيهقي في الشعب، عن الأصمعي، قال: دخلت البادية فإذا بعجوز بين يديها شاة مقتولة و جرو ذئب مقع، فنظرت إليها فقالت: أ تدري ما هذا؟قلت: لا. قالت: جرو ذئب أخذناه و أدخلناه بيتنا، فلما كبر قتل شاتنا. و قد قلت في ذلك شعرا قلت لها: ما هو؟فأنشدته:

بقرت شويهتي و فجعت قلبي # و أنت لشاتنا ولد ربيب‌ [4]


[1] حميد بن ثور بن حزن الهلالي العامري. شاعر جاهلي أدرك الإسلام و أسلم مات سنة 30 هـ-؟.

[2] البيت في الحيوان للجاحظ: 6/472. و فيه: «... الذئب عن حفيظة» . البيت في الشعر و الشعراء 247.

و فيه: «المنايا بأخرى فهو... » .

[3] العقد الفريد: 6/242. و هو للفرزدق. و في العقد: و كنا كذئب...

[4] شويهة تصغير شاة.

اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري    الجزء : 1  صفحة : 500
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست