responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري    الجزء : 1  صفحة : 329

الحرباء:

كنيته أبو خجادب و أبو الزنديق و أبو الشقيق و أبو قادم. و يقال له جمل اليهود كما تقدم. قال الإمام القزويني في كتاب عجائب المخلوقات: لما كان الحرباء خلقا بطي‌ء النهضة و كان لا بد له من القوت خلقه اللّه على صورة عجيبة فخلق عينيه تدور إلى كل جهة من الجهات، حتى يدرك صيده من غير حركة في يديه، و لا قصد إليه، و يبقى كأنه جامد، أو كأنه ليس من الحيوان.

ثم أعطي مع السكون خاصية أخرى، و هو أنه يتشكل بلون الشجرة التي يكون عليها، حتى يكاد يختلط لونه بلونها، ثم إذا قرب منه ما يصطاده من ذباب و غيره، أخرج لسانه و يخطف ذلك بسرعة، كلحوق البرق، ثم يعود إلى حاله كأنه جزء من الشجرة، و خلق اللّه لسانه بخلاف المعتاد ليلحق ما بعد عنه بثلاثة أشبار و نحوها، يصطاد به على هذه المسافة، و إذا رأى ما يروعه و يخوفه تشكل و تكوّن على هيئة و شكل، يفر منه كل من يريد من الجوارح و يكرهه بسبب ذلك التلون.

انتهى.

و الحرباء أكبر من العظاية، و هي تستقبل الشمس و تدور معها كيفما دارت، و تتلون بحر الشمس كما قال الإمام الغزالي ألوانا مختلفة، فتتلون إلى حمرة و صفرة و خضرة و ما شاءت. و هو ذكر أم حبين و الجمع الحرابي و الأنثى حرباءة. قال رجل: خاصمت ابن أخي إلى معاوية فجعلت أحجه، فقال: أنت كما قال الشاعر [1] :

إني أتيح له حرباء تنضبة # لا يرسل السماق إلا ممسكا ساقا

أراد بالساق هنا الغصن من أغصان الشجرة. و المعنى: أنه لا تنقضي له حجة حتى يتمسك بأخرى، تشبيه بالحرباء. قال الجوهري: و يقال حرباء تنضب كما يقال ذئب غضى. و التنضب شجر يتخذ منه السهام و التاء زائدة لأنه ليس في الكلام فعلل، و في الكلام تفعل مثل تقتل و تخرج، و الواحدة تنضبة، و يقال لها أيضا حرباء الظهيرة. و هي دويبة غبراء ما دامت فرخا، ثم تصفو و هي أبدا تطلب الشمس، فحين تبدو تنحرف بوجهها إليها حتى إذا استوت الشمس، علت رأس شجرة و ما يجري مجراها، فإذا صار قرص الشمس فوق رأسها، بحيث لا تراها أصابها مثل الجنون، فلا تزال طالبة لها، و لا تفتر إلى أن تتصوّب إلى جهة المغرب، فترجع بوجهها إليها مستقبلة لها، و لا تنحرف عنها إلى أن تغيب الشمس، فإذا غابت الشمس، طلب هذا الحيوان معاشه ليله كله إلى أن يصبح. حتى إن طائفة من المتكلمين على طبائع الحيوان، يقولون: إنه مجوسي و لسانه طويل جدا مقدار ذراع كما تقدم، و ذلك دليل على أنه يكون مطويا في حلقه، و هو يبلغ به ما بعد عنه من الذباب و الأنثى من هذا النوع تسمى أم حبين. و ستأتي في آخر الباب.

و قد سمي أبو النجم في بعض شعره الحرباء بالشقي، و ليس الشقي باسم للحرباء، و إنما سماه به لاستقباله الشمس، كذا ذكره في المحكم في العين و النون و الباء.

و هذا الحيوان يوصف بالحزم لأنه، مع تقلبه مع الشمس، لا يرسل يده من غصن حتى يمسك غيره، و هو يشبه رأس العجل و على هيئة السمكة الصغيرة، و له أربعة أرجل كسام أبرص. و ذكر الشيخ جمال الدين بن هشام، في شرح بانت سعاد، أن للحرباء سناما كسنام البعير و إنه يتلون ألوانا، و يكنى أبا قرة، و هي تتلون بلون الشجرة، التي تكون عليها، حتى تكاد تختلط بلونها، فإذا


[1] هو أبو داود الأيادي و البيت في الحيوان: 6/367. و فيه: «... لا يترك الساق... » .

اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري    الجزء : 1  صفحة : 329
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست