اسم الکتاب : حياة الحيوان الكبري المؤلف : الدميري الجزء : 1 صفحة : 143
الشيب فخضب بالحناء ثم ترك قال ابن الساعي [1] : حضرت بيعته فلما رفعت الستارة و شاهدته و قد كمل اللّه صورته، و معناه كان أبيض مشربا بحمرة أزج [2] الحاجبين، أدعج [3] العينين سهل الخدين، أقنى الأنف رحب الصدر، عليه ثوب أبيض، و قباء أبيض، و طرحة قصب بيضاء، فجلس إلى الظهر.
و بلغني أن عدة الخلع التي خلعها بلغت ثلاثة آلاف خلعة و خمسمائة خلعة و سبعين خلعة.
و كانت خلافته وافرة الحشمة، و فيه عدل و دين و قمع للمتمردين، و نهضة بأعباء الخلافة، و وقف المدارس و المساجد و بذل الأموال و دانت له الملوك، و كان جده الناصر يحبه و يسميه القاضي لعقله و محبته للحق. و أنشأ المدرسة التي لا نظير لها في الدنيا، و استخدم عسكرا عظيما إلى الغاية حتى إن جريدة جيشه، بلغت نحو مائة ألف فارس استعدادا لحرب التتار، و قد خطب له بالأندلس و بعض بلاد المغرب.
و كانت خلافته سبع عشرة سنة، فاللّه يتغمده برحمته و مغفرته فلم يخلع هو و لا أبوه. و بهذا انقضت القاعدة إلا أن التتار كان أمرهم قد عظم في أيامهما، فأخذوا جملة مستكثرة من بلاد الإسلام، و فقد جلال الدين خوارزم شاه في أيام المستنصر في وقعة كانت بينه و بين التتار، و هذا أعظم و أطم من الخلع. ثم لم ينتظم لبني العباس في العراق أمر بحيث إن من ولي بعد هؤلاء لم يكملوا العدة المشروطة، فإن الذي جاء بعدهم واحد و هو المستعصم باللّه بن المستنصر و هو الذي قتله التتار. و انقرضت الدولة العباسية من العراق سنة ست و خمسين و ستمائة، فإن المستعصم قتل في الثامن و العشرين من المحرم كما ستراه في ترجمته إن شاء اللّه تعالى.
خلافة المستعصم باللّه
ثم قام بالأمر بعده، المستعصم باللّه و هو أبو أحمد عبد اللّه بن المستنصر باللّه أبي جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر العباسي، آخر الخلفاء العراقيين، و كانت دولتهم خمسمائة سنة و أربعا و عشرين سنة.
و كان مولد أبي أحمد في خلافة جد أبيه، قال المؤلف رحمه اللّه تعالى: بويع له بالخلافة يوم قتل الظاهر البيعة العامة و ذلك في جمادى الأولى سنة أربعين و ستمائة فظهر بهذه العبارة أن المؤلف جعل الترجمة السابقة للظاهر، و لم يجعل للمستنصر ترجمة و إن الناسخ نقل ذلك كما وجده.
فالاعتماد على ما ذكرته من ترجمتهما، و هو السادس فخلع و قتل، في أيام هولاكو، لما أخذ بغداد، سنة خمس و خمسين و ستمائة و كان ذلك بمواطأة وزيره ابن العلقمي، و سوء تدبير المستعصم، و اشتغاله بلعب الحمام، و بما لا يليق به. و كان قد خرج إلى هولاكو و معه الفقهاء و الصوفية فقتلوا عن آخرهم. و أخذ المستعصم فخلع و وضع في جوالق و ضرب بالمرازب و قيل بمداق الجص إلى أن
[1] ابن الساعي: علي بن أنجب بن عثمان بن عبد اللّه، أبو طالب تاج الدين بن الساعي، مؤرخ ولد و مات في بغداد سنة 674 هـ-.