اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 6 صفحة : 223
كلّما جدّ البكاء به # زادت الاسقام في بدنه
قيل له: هذا. و أشار إلى العباس بن الاحنف؛ فقال قدّموه!فقدّم عليهم.
ابو عمرو و جرير
أبو عمرو بن العلاء قال: نزل جرير و هو مقبل من عند هشام بن عبد الملك فبات عندي إلى الصبح؛ فلما أصبح شخص و خرجت معه أشيّعه، فلما خرجنا من أطناب البيوت التفت إليّ فقال: أنشدني من قول مجنون بني الملوّح، فأنشدته:
و أدنيتني حتى إذا ما سبيتني # بقول يحلّ العصم سهل الأباطح
... تجافيت عني حين لا لي حيلة # و غادرت ما غادرت بين الجوانح [1]
فقال: و اللّه لو لا أنه لا يحسن بشيخ مثلي الصراخ، لصرخت صرخة سمعها هشام على سريره.
و هذا من أرق الشعر كله و ألطفه، لو لا التضمين الذي فيه، و التضمين: أن يكون البيت معلّقا بالبيت الثاني، لا يتم معناه إلا به، و إنما يحمد البيت إذا كان قائما بنفسه.
ابن الاحنف و ابن الملوح
و قال العباس بن الاحنف نظير قول المجنون بلا تضمين، و هو قوله:
أشكو الذين أذاقوني مودّتهم # حتى إذا أيقظوني بالهوى رقدوا
الرشيد و الاصمعي
و قال الاصمعي: دخلت على هارون الرشيد، فوجدته منغمسا في الفرش، فقال:
ما أبطأ بك يا أصمعي؟قلت: احتجمت يا أمير المؤمنين. قال: فما اكلت عليها؟ قلت: سكباجة و طباهجة [2] ، قال: رميتها بحجرها!أ تشرب؟فقلت. نعم؛ و قلت.
[1] الجوانح: جمع جانحة: و هي الضلع القصيرة مما يلي الصدر.