اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 6 صفحة : 186
و قال أعرابي في عجوز:
أبى القلب إلا أمّ عمرو و حبّها # عجوزا و من يحبب عجوزا يفنّد [1]
كبرد يمان قد تقادم عهده # و رقعته ما شيب في العين واليد [2]
و قال بشار العقيلي في سوداء:
أشبهك المسك و أشبهته # قائمة في لونه قاعدة
لا شكّ إذ لونكما واحد # أنّكما من طينة واحده
الاستعارة
لم تزل الاستعارة قديما تستعمل في المنظوم و المنثور، و أحسن ما تكون أن يستعار المنثور من المنظوم، و المنظوم من المنثور، و هذه الاستعارة خفية لا يؤبه بها لأنك قد نقلت الكلام من حال إلى حال، و أكثر ما يجتلبه الشعراء، و يتصرف فيه البلغاء، إنما يجري فيه الآخر على السنن الأول، و أقل ما يأتي لهم معنى لم يسبق إليه أحدا، إما في منظوم و إما في منثور، لأن الكلام بعضه من بعض، و لذلك قالوا في الأمثال: ما ترك الأول للآخر شيئا. أ لا ترى أن كعب بن زهير، و هو في الرعيل الأول و الصدر المتقدم، قد قال في شعره:
ما أرانا نقول إلا معارا # أو معادا من قولنا مكرورا
و لكن قولهم: إن الآخر إذا أخذ من الأول المعنى فزاد فيه ما يحسّنه و يقرّبه و يوضحه فهو أولى به من الأول، و ذلك كقول الأعشى:
و كأس شربت على لذّة # و أخرى تداويت منها بها
فأخذ هذا المعنى الحسن بن هانئ فحسنه و قرّبه إذ قال:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء # و داوني بالتي كانت هي الدّاء