اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 6 صفحة : 176
و الدليل على صحة هذا المعنى و صدق هذا القياس، أن كثيّر عزة و الكميت بن زيد كانا شيعيّين غاليين، في التشيّع، و كانت مدائحهما في بني امية أشرف و أجود منها في بني هاشم، و ما لذلك علة الا قوة أسباب الطمع.
و قيل لكثير عزة: يا أبا صخر، كيف تصنع إذا عسر عليك الشعر؟قال: أطوف في الرباع [1] المحيلة و الرياض المعشبة، فإن نفرت عنك القوافي و أعيت عليك المعاني، فروّح قلبك، و أجمّ ذهنك، و ارتصد لقولك فراغ بالك وسعة ذهنك، فإنك تجد في تلك الساعة ما يمتنع عليك يومك الأطول و ليلك الأجمع.
من رفعه المدح و وضعه الهجاء
جرير و ابنه
قال بلال بن جرير: سألت أبي جريرا فقلت له: إنك لم تهج قوما قط الا وضعتهم غير بني لجأ!قال: يا بني إني لم أجد شرفا فأضعه، و لا بناء فأهدمه.
و قد يكون الشيء مدحا فيجعله الشعر ذمّا، و يكون ذما فيجعله الشعر مدحا.
قال حبيب الطائي في هذا المعنى:
و لو لا خلال سنّها الشّعر مادري # بغاة العلا من أين تؤتى المكارم
يرى حكمة ما فيه و هو فكاهة # و يقضى بما يقضي به و هو ظالم
أ لا ترى إلى بني عبد المدان الحارثيين كانوا يفخرون بطول أجسامهم و قديم شرفهم حتى قال فيهم حسان بن ثابت:
لا بأس بالقوم من طول و من غلظ # جسم البغال و أحلام العصافير [2]
فقالوا له: و اللّه يا أبا الوليد لقد تركتنا و نحن نستحي من ذكر اجسامنا بعد ان كنا نفخر بها!فقال لهم: سأصلح منكم ما أفسدت، فقال فيهم:
[1] الرباع: جمع الربع: و هو المنزل أو الحي، أو ما حول الدار.
[2] أحلام: جمع حلم: و هو ما يراه النائم في نومه. أو العقل.
اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 6 صفحة : 176