و لا يردون الماء إلا عشيّة # إذا صدر الورّاد عن كل منهل [1]
قال عمر: فإن ذلك أجم [2] لهم و أمكن. قالوا فإنه يقول بعد هذا:
و ما سمّى العجلان إلا لقولهم # خذ القعب و احلب أيّها العبد و اعجل [3] .
قال عمر: سيد القوم خادمهم. فما أرى بهذا بأسا.
معاوية و أبو بردة و عقيبة:
و نظير هذا قول معاوية لأبي بردة بن أبي موسى، و كان دخل حماما فزحمه رجل، فرفع الرجل يده فلطم بها أبا بردة فأثر في وجهه، فقال فيه عقيبة الأسدي:
فلا يصرم اللّه اليمين التي لها # بوجهك يا بن الأشعرين ندوب [4]
قال: فاستعدى عليه معاوية، و قال: إنه هجاني!قال: و ما قال فيك؟قال. فأنشده البيت، قال معاوية: هذا رجل دعا و لم يقل إلا خيرا. قال: فقد قال غير هذا. قال:
و ما قال؟فأنشده:
و أنت امرؤ في الأشعرين مقابل # و في البيت و البطحاء أنت غريب [5]
قال معاوية: و إذا كنت مقابلا في قومك فما عليك أن لا تكون مقابلا في غيرهم؟قال: فقد قال غير هذا. قال: و ما قال؟قال: قال:
و ما أنا من حداث أمّك بالضّحى # و لا من يزكيها بظهر مغيب
قال: إنما قال: ما أنا من حدّاث أمك. فلو قال إنه من حدّاثها لكان ينبغي لك أن تغضب، و الذي قال لي أشدّ من هذا. قال: و ما قال لك يا أمير المؤمنين؟قال:
قال:
معاوي إننا بشر فأسجع # فلسنا بالجبال و لا الحديد [6]
[1] المنهل: الورد: أي الموضع الذي فيه المشرب.
[2] أجمّ لهم: اكثر إراحة.
[3] القعب: القدح الضخم الغليظ
[4] صرم: قطع.
[5] المقابل: الكريم من كلا طرفيه.
[6] اسجح: أرفق، و أحسن العفو و تكرم.