اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 3 صفحة : 357
تباينوا فإذا تساووا هلكوا. تقول: لا يزالون بخير ما كان فيهم أشراف و أخيار، فإذا جملوا كلهم جملة واحدة هلكوا.
و إذا ذمّت العرب قوما قالوا: سواسية كأسنان الحمار. و كيف يستوي الناس في فضائلهم و الرجل الواحد لا تستوي في نفسه أعضاؤه و لا تتكافأ مفاصله، و لكن لبعضها الفضل على بعض، و للرأس الفضل على جميع البدن بالعقل و الحواس الخمس.
و قالوا: القلب أمير الجسد. و من الأعضاء خادمة، و منها مخدومة.
قال ابن قتيبة: و من أعظم ما ادعت الشعوبية فخرهم على العرب بآدم عليه السّلام و بقول النبي عليه الصلاة و السّلام: «لا تفضّلوني عليه، فإنما أنا حسنة من حسناته» . ثم فخرهم بالأنبياء أجمعين و أنهم من العجم غير أربعة: هود و صالح و إسماعيل و محمد عليهم الصلاة و السّلام؛ و احتجوا بقول اللّه عز و جل: إِنَّ اَللََّهَ اِصْطَفىََ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْرََاهِيمَ وَ آلَ عِمْرََانَ عَلَى اَلْعََالَمِينَ `ذُرِّيَّةً بَعْضُهََا مِنْ بَعْضٍ وَ اَللََّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[1] ثم فخروا بإسحاق بن إبراهيم، و أنه لسارة، و أنّ إسماعيل لأمة تسمى هاجر. و قال شاعرهم:
في بلدة لم تصل عكل بها طنبا # و لا خباء، و لا عك و همدان [2]
و لا لجرم و لا بهراء من وطن # لكنها لبني الأحرار أوطان
أرض يبنّي بها كسرى مساكنه # فما بها من بني اللّخناء إنسان
فبنو الأحرار عندهم: العجم؛ و بنو اللخناء عندهم: العرب؛ لأنهم من ولد هاجر و هي أمة، و قد غلطوا في هذا التأويل، و ليس كل أمة يقال لها اللخناء إنما اللخناء من الإماء الممتهنة في رعي الإبل و سقيها و جمع الحطب، و إنما أخذ من اللخن، و هو نتن الريح؛ يقال: لخن السقاء، إذا تغير ريحه؛ فأما مثل هاجر التي طهرها اللّه من كل دنس و ارتضاها للخليل فراشا، و للطّيّبين إسماعيل و محمد أمّا، و جعلهما سلالة-فهل يجوز لملحد فضلا عن مسلم أن يسميها لخناء!