responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه    الجزء : 3  صفحة : 188

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه # ربيع اليتامى عصمة للأرامل‌

فنظر إليها و قال: ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم. ثم أغمى عليه فقالت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى # إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصّدر

قالت: فنظر إليّ كالغضبان و قال لي: وَ جََاءَتْ سَكْرَةُ اَلْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذََلِكَ مََا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [1] . ثم قال: انظروا ملاءتيّ فاغسلوهما و كفّنوني فيهما؛ فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت.

و قال معاوية حين حضرته الوفاة:

ألا ليتني لم أغن في الملك ساعة # و لم أك في اللّذّات أعشى النّواظر [2]

و كنت كذي طمرين عاش ببلغة # ليالي حتى زار ضنك المقابر [3]

لما ثقل معاوية و يزيد غائب، أقبل يزيد فوجد عثمان بن محمد بن سفيان جالسا، فأخذ بيده و دخل على معاوية و هو يجود بنفسه، فكلمه يزيد فلم يكلمه، فبكى يزيد، و تضوّر [4] معاوية ساعة، ثم قال: أي بني، إن أعظم ما أخاف اللّه فيه ما كنت أصنع بك يا بنيّ. إني خرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فكان إذا مضى لحاجته و توضأ أصب الماء على يديه، فنظر إلى قميص لي قد انخرق من عاتقي، فقال لي: يا معاوية، أ لا أكسوك قميصا؟قلت: بلى. فكساني قميصا لم ألبسه إلا لبسة واحدة، و هو عندي.

و اجتزّ ذات يوم فأخذت جزازة شعره، و قلامة أظفاره، فجعلت ذلك في قارورة، فإذا مت يا بني فاغسلني ثم اجعل ذلك الشعر و الأظفار في عيني و منخري و فمي، ثم اجعل قميص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم شعارا من تحت كفني. إن نفع شي‌ء نفع هذا.

لما احتضر عمرو بن العاص، جمع بنيه فقال: يا بنيّ، ما تغنون عني من أمر اللّه شيئا!قالوا: يا أبت، إنه الموت، و لو كان غيره لوقيناك بأنفسنا. فقال: أسندوني.


[1] سورة ق الآية 19.

[2] الأعشى: الذي يسوء بصره ليلا.

[3] البلغة: ما يكفي لسد الحاجات و لا يفضل عنها.

[4] التضور: التلوي من وجع.

اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه    الجزء : 3  صفحة : 188
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست