اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 2 صفحة : 321
فاستبقت السنانير إليه و رمت بالشمع، حتى كاد البيت يضطرم عليهم نارا فقال الوزير: كيف رأيت غلبة الطبع على الأدب و رجوع الفرع إلى أصله؟قال: صدقت، و رجع إلى ما كان أبوه عليه معه.
فإنما مدار كل شيء على طبعه، و التكلف مذموم من كل وجه. قال اللّه لنبيه صلّى اللّه عليه و سلم: قل يا محمد: «و ما أنا من المتكلفين» .
و قالوا: من تطبّع بغير طبعه نزعته العادة حتى تردّه إلى طبعه، كما أن الماء إذا أسخنته و تركته ساعة عاد إلى طبعه من البرودة، و الشجرة المرة لو طلبتها بالعسل لا تثمر إلا مرا.
دخل السائب بن صيفي على النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فقال: أ تعرفني يا رسول اللّه؟قال:
و كيف لا أعرف شريكي في الجاهلية الذي كان لا يشاري و لا يماري؟ و قال ابن المقفع: المشاراة و المماراة يفسدان الصداقة القديمة و يحلان العقدة الوثيقة؛ و أيسر ما فيهما أنهما ذريعة إلى المنافسة و المغالبة.
و قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: لا تمار أخاك، فإما أن تغضبه و إما أن تكذبه.
و قال الشاعر:
فإياك إياك المراء فإنه # إلى السّبّ دهاء و للصرم جالب [2]
و قال عبد اللّه بن عباس: لا تمار فقيها و لا سفيها، فإنّ الفقيه يغلبك و السفيه يؤذيك.
و قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر» .