اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 2 صفحة : 291
الذي سقط من فم الرجل فأكله، فالتفت إليه الرجل فقال: يا أمير المؤمنين، أما الدنيا فهي أقلّ و أيسر من أن أتركها لك، و اللّه لأتركن في مرضاتك الدنيا و الآخرة.
المنصور و هاشمي و الربيع حاجبه:
و حدّث إبراهيم بن السندي قال: كان فتى من بني هاشم يدخل على المنصور كثيرا، يسلم من بعيد و ينصرف، فأتاه يوما فأدناه، ثم دعاه إلى الغذاء. فقال: قد تغدّيت!فأمهله الرّبيع حاجب المنصور حتى ظن أنه لم يفهم الخطيئة، فلما انصرف و صار وراء الستر دفعه في قفاه، فلما رأى من الحاجب دفعه في قفاه، شكا الفتى حالته و ما ناله إلى عمومته، فأقبلوا من غد إلى أبي جعفر، و قالوا: إن الربيع نال من هذا الفتى كذا و كذا. فقال لهم أبو جعفر: إن الربيع لا يقدم على مثل هذا إلا و في يده حجة، فإن شئتم أمسكنا عن ذلك و أغضينا، و إن شئتم سألته و أسمعتكم. قالوا:
بل يسأله أمير المؤمنين و نسمع. فدعاه فسأله، فقال: إن هذا الفتى كان يأتي فيسلّم و ينصرف من بعيد؛ فلما كان أمس أدناه أمير المؤمنين حتى سلّم من قرب؛ و تبذّل بين يديه و دعاه إلى غدائه؛ فبلغ من جهله بحق المرتبة التي أحلّه فيها أن قال: قد تغديت. و إذا هو ليس عنده لمن أكل مع أمير المؤمنين و شاركه في يده إلا سدّ خلّة الجوع، و مثل هذا لا يقوّمه القول دون الفعل. فسكت القوم و انصرفوا.
و قال بكر بن عبد اللّه: أحق الناس بلطمة من أتى طعاما لم يدع إليه، و أحق الناس بلطمتين من يقول له صاحب البيت: اجلس هاهنا. فيقول: لا، هاهنا، و أحق الناس بثلاث لطمات من دعي إلى طعام فقال لصاحب المنزل: ادع ربة البيت تأكل معنا.
و قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: لا ينبغي للفتى أن يكون مكحلا؛ و لا مقبّبا، و لا مكوكبا، و لا شكامدا، و لا حرامدا، و لا تقامدا. ثم فسره فقال: أما المكحل، فالذي يتعرق العظم حتى يدعه كأنه مكحلة عاج، و المقبّب، فالذي يركّب
اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 2 صفحة : 291