اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 2 صفحة : 223
ردّ المأمون على الملحدين و أهل الأهواء
قال المأمون للثّنوي الذي تكلم عنده: أسألك عن حرفين لا أزيد عليهما: هل ندم مسيء قط على إساءته؟قال: بلى. قال: فالندم على الإساءة إساءة أم إحسان؟قال: بل إحسان. قال: فالذي ندم هو الذي أساء أم هو غيره؟قال: بل هو الذي أساء. قال:
فأرى صاحب الخير هو صاحب الشرّ قال: فإني أقول: الذي ندم غير الذي أساء.
قال: فندم على شيء كان منه أم على شيء كان من غيره. فسكت.
و قال له أيضا: أخبرني عن قولك باثنين، هل يستطيع أحدهما أن يخلق خلقا لا يستعين فيه بصاحبه؟قال: نعم. قال: فما تصنع باثنين؟واحد يخلق كل شيء خير لك و أصحّ.
و قال المأمون للمرتدّ الخراساني الذي أسلم على يديه و حمله معه إلى العراق فارتدّ عن الإسلام، أخبرني: ما الذي أوحشك مما كنت به آنسا من ديننا؟فو اللّه لأن أستحييك بحق أحبّ إليّ من أن أقتلك بحق، و قد صرت مسلما بعد أن كنت كافرا، ثم عدت كافرا بعد أن صرت مسلما. فإن وجدت عندنا دواء لدائك تداويت به، و إن أخطأك الشفاء و نبا عليك الدواء، كنت قد أبليت العذر في نفسك و لم تقصّر في الاجتهاد لها، فإن قتلناك قتلناك في الشريعة، و ترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار و اليقين و لم تفرّط في الدخول من باب الحزم. قال المرتد: أوحشني منكم ما رأيت من الاختلاف في دينكم. قال المأمون: لنا اختلافان: أحدهما كاختلافنا في الأذان، و التكبير في الجنائز، و صلاة العيدين و التشهد، و التسليم من الصلاة، و وجوه القراءات، و اختلاف وجوه الفتيا، و ما أشبه ذلك؛ و هذا ليس باختلاف، و إنما هو تخيير و توسعة و تخفيف من السنّة؛ فمن أذن مثنى و أقام مثنى لم يأثم، و من ربّع لم يأثم.
و الاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتاب اللّه، و تأويل الحديث عن نبينا، مع اجتماعنا على أصل التنزيل، و اتفاقنا على عين الخبر؛ فإن كان إنما أوحشك هذا فينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة و الإنجيل متّفقا على تأويله كما
اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 2 صفحة : 223