اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه الجزء : 1 صفحة : 41
مصر، و قال له حين ودّعه: أرسل حكيما و لا توصه. أي بنيّ، انظر إلى عمّالك، فإن كان لهم عندك حقّ غدوة فلا تؤخرهم إلى عشية، و إن كان لهم عشية فلا تؤخرهم إلى غدوة، و أعطهم حقوقهم عند محلها تستوجب بذلك الطاعة منهم. و إياك أن يظهر لرعيتك منك كذب، فإنهم إن ظهر لهم منك كذب لم يصدّقوك في الحق. و استشر جلساءك و أهل العلم؛ فإن لم يستبن لك فاكتب إليّ يأتك رأيي فيه إن شاء اللّه تعالى.
و إن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب [1] ، و احبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون و أنت ساكن الغضب منطفئ الجمرة، فإن أول من جعل السجن كان حليما ذا أناة [2] . ثم انظر إلى ذوي الحسب و الدين و المروءة فليكونوا أصحابك و جلساءك؛ ثم ارفع منازلهم منك على غيرهم، على غير استرسال و لا انقباض، أقول هذا و أستخلف اللّه عليك.
من معاوية إلى زياد في رجل فر إليه
قال أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد اللّه بن مجالد عن الشعبي، قال: قال زياد: ما غلبني أمير المؤمنين معاوية في شيء من السياسة إلا مرة واحدة، استعملت رجلا فكسر خراجه، فخشي أن أعاقبه ففرّ إليه و استجار به فأمنه؛ فكتبت إليه: إن هذا أدب سوء من قبلي. فكتب إليّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، لا نلن جميعا فتمرح الناس في المعصية، و لا نستبد جميعا فنحمل الناس على المهالك. و لكن تكون أنت للشدة و الغلظة و أكون أنا للرأفة و الرحمة.
ما يأخذ به السلطان من الحزم و العزم
قالت الحكماء: أحزم الملوك من قهر جدّه هزله: و غلب رأيه هواه، و جعل له الفكر صاحبا يحسّن له العواقب، و أعرب عن ضميره فعله، و لم يخدعه رضاه عن سخطه و لا غضبه عن كيده.