responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه    الجزء : 1  صفحة : 253

جود عبد اللّه بن معمر القرشي التيمي‌

و من جود عبيد اللّه بن معمر القرشي، أن رجلا أتاه من أهل البصرة كانت له جارية نفيسة قد أدّبها بأنواع الأدب حتى برعت و فاقت في جميع ذلك، ثم إنّ الدهر قعد بسيّدها و مال عليه. و قدم عبيد اللّه بن معمر البصرة من بعض وجوهه، فقالت لسيّدها: إني أريد أن أذكر لك شيئا أستحي منه، إذ فيه جفاء مني، غير أنه يسهّل ذلك عليّ ما أرى من ضيق حالك و قلة مالك و زوال نعمتك، و ما أخافه عليك من الاحتياج و ضيق الحال، و هذا عبيد اللّه بن معمر قدم البصرة، و قد علمت شرفه و فضله وسعة كفّه وجود نفسه، فلو أذنت لي فأصلحت من شأني ثم تقدمت بي إليه و عرضتني عليه هدية، رجوت أن يأتيك من مكافأته ما يقيلك اللّه به و ينهضك إن شاء اللّه. قال: فبكى وجدا عليها و جزعا لفراقها منه، ثم قال لها: لو لا أنك نطقت بهذا ما ابتدأتك به أبدا. ثم نهض بها حتى أوقفها بين يدي عبيد اللّه فقال: أعزك اللّه، هذه جارية ربّيتها و رضيت بها لك، فاقبلها مني هدية. فقال: مثلي لا يستهدي من مثلك؛ فهل لك في بيعها فأجزل لك الثمن عليها حتى ترضى؟قال: الذي تراه.

قال: يقنعك مني عشر بدر في كل بدرة عشرة آلاف درهم؟قال: و اللّه يا سيدي ما امتد أملي إلى عشر ما ذكرت، و لكن هذا فضلك المعروف و جودك المشهور. فأمر عبيد اللّه بإخراج المال حتى صار بين يدي الرجل و قبضه، و قال للجارية: ادخلي الحجاب. فقال سيدها: أعزك اللّه!لو أذنت لي في وداعها!قال: نعم. فوقفت و قام، و قال لها و عيناه تدمعان:

أبوح بحزن من فراقك موجع # أقاسي به ليلا يطيل تفكّري

و لو لا قعود الدهر بي عنك لم يكن # يفرّقنا شي‌ء سوى الموت فاعذري

عليك سلام لا زيارة بيننا # و لا وصل إلا أن يشاء ابن معمر

قال عبيد اللّه بن معمر: قد شئت ذلك، فخذ جاريتك و بارك اللّه لك في المال.

فذهب بجاريته و ماله فعاد غنيّا.

اسم الکتاب : العقد الفريد المؤلف : ابن عبد ربه    الجزء : 1  صفحة : 253
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست